البحاري.. «أبو تاكي» حكاية امرأة تحدت السرطان

لا تكاد تسمع لها صوتًا، من بعيد تلوح لك ابتسامتها البريئة ولعلها سر إقبال الأطفال عليها، عيناها تطرقان الأرض وأحيانًا تحومان نحو فضاءات المكان، تسلم عليك بيد حنونة مرحبة وشعور بالهدوء يعانق روحك، إذ يجعلك رقيها بالتعامل تنحني لها احترامًا وتأدبًا، تقف معها طفلتها وتساعدها في عملية بيع مأكولات أعدتها بيديها، وتكاد تصعقك الصدمة حينما تعلم أن هذه المرأة الرائقة جدًا قد خاضت معركة مع السرطان وانتصرت عليه.

وتعيش بدرية أبو تاكي، ذات الـ38 عامًا في ذات القرية التي ولدت فيها وأمضت معظم دراساتها الأكاديمية خارج بلدتها البحاري، إذ لصغر مساحتها لا تتوفر فيها مدارس كافية، وتخرجت عام 1424 هـ، للهجرة من كلية الدمام ببكالوريوس جغرافيا ولم يكن لها في وظيفة التدريس التي تنشدها نصيب.

ومع 9 إخوة وأخوات ووالدين طيبين ترعرعت بدرية، ومضت في تطوير مهاراتها بعد التخرج، فدرست الحاسب واللغة الإنجليزية وتدربت على الأعمال الفنية إلى أن زفت إلى عريسها حسين أبو صعب عام 1427هـ، وبعد إنجاب ابنة وابن جميلين، هجم المرض على أبو تاكي والتي كان لوعيها دور هام في إنقاذ حياتها.

واكتشفته مبكرًا
وتحكي بدرية قصتها مع السرطان قائلة: “أقوم دوريًا بالفحص الذاتي، ولاحظت وجود كتلة في صدري، خالاتي كن مصابات بسرطان الثدي فكنت مؤهلة للإصابة به، وكنا آنذاك في شهر أكتوبر وحملات الشرقية وردية، ولكني لم أقصد سيارة الماموجرام، بل توجهت مباشرة لطبيبة نساء وولادة في مستشفى المواساة بالقطيف والتي حولتني مباشرة لطبيب جراحة، وتم أخذ خزعة وأرسلوها للتحليل وكانت النتيجة أنه ورم خبيث”.

وأضافت: “جلست أفكر في هذا الابتلاء وطفليّ كانا أول ما توارد أمامي، هي لحظات وقلت لنفسي: الطب قد تطور والإيمان بالله موجود فلماذا اليأس أو الخوف إنه ابتلاء وسأكون جديرة به”.

رحلة العلاج المريرة
وأمضت “أبو تاكي” قرابة العام في رحلة علاج مضنية بمستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام، كان الأصعب فيها 8 جلسات كيميائي كل 21 يومًا، و33 جلسة إشعاع يومية لمدة شهر ونيف تمزق منها جلدها.

وتصف حالتها آنذاك قائلة: “تساقط شعري، وذهبت حواجبي، كنت واهنة القوى، وحرارتي مرتفعة دومًا ومناعتي ضعيفة وجسمي مبقع وشعور بغثيان دائم وبالذات في الخمسة الأيام الأولى بعد جلسة الكيمائي، طفليّ يعتني بهما أخواتي ولم أعد أستطيع أن أكون ربة بيت”.

كان لها عونًا
لكن يد زوجي كانت تنتشلني مما كنت فيه، رفض العمل تمامًا وجلس بجانبي يرعاني ويساندني ويعزز الأمل داخل نفسي، كذلك أهلي دعموني ولا أنسى الكلمة التي نقلها لي عمي عن أحد المصابين بالسرطان، حيث كان يردد: “هي موتة واحدة فلماذا نضيع حياتنا؟”.

المرض يهاجم الأخت
وبعد تماثلها للشفاء، أصيبت أختها الأرملة بذات المرض وكان وقعه شديدًا عليها كون لديها طفلة يتيمة قد راح والدها وأيضًا كان السرطان قد وصل للدرجة الثالثة! فأصبحت لها داعمة، وصورتها المتحدية جعلتها ترى الأمل من خلالها.

واستمرت الحياة
بعد سنتين من العلاج بدأت بمشروع مفرزنات، ثم تجارة بالملابس وتطلبت منها مجهودًا فتركتها، واختارت أن تطهو وتشارك مع لجنة التنمية الاجتماعية الأهلية بالبحاري في أنشطتها الخيرية وتعرض مأكولاتها كورق العنب والتبولة والمعجنات للبيع كأسرة منتجة كما أنها أنجبت ولدًا.

شكر وعرفان
ووجهت “أبو تاكي” كلمة امتنان قائلة: “لا أنسى وقفتها معي، كانت تعالجني وتزرع الشفاء بابتسامتها العذبة وكلماتها الطيبة هي اختصاصية العلاج بالأشعة خلود، والتي منحتني رقم بتول العوامي المرأة التي تحب العطاء وشأنها الدعم”.

الحياة ستستمر، لا تيأسوا
ووجهت رسالة لكل مبتلى ومعافى بأن “المرض ليس عيبًا، ولا نهاية حياة، وإن الإنسان يستطيع بقوة إرادته بعد مشيئة الله سبحانه أن يسيطر عليه وأهم أمر للمريض أن يقصد المستشفى المناسب للعلاج”.


error: المحتوي محمي