قصاصة معرفية

لست قارئاً بالتخصص ، ولم أكن بالهواية في يوم من الأيام كذلك ، وحتى وقت دراستي كنت أعوض عن ذلك بالكتابة أثناء المذاكرة من أجل الحفظ . في القراءة لا أكاد أقرأ الصفحة أوالصفحتين حتى أشرد أو أتثآئب ويغشاني الملل أو أشغل نفسي بأمر ما. وعلى رغم كل ذلك أرى كما غيري أن القراءة هي حياة الألباب ، والفارق الذي يصنع التمايز ، ولكن أي قراءة ؟ لا أدري ، ولكنها ليست القراءة التي يراد منها أن نقرأ لنقرأ فقط .

نصحني ذات مرة شقيقي وأستاذي الأول عبدالهادي الزين أبو حاتم فيما نصح وقد كنت في مراحل دراستي الأولى وقتها أن أرفع أي قصاصة من جريدة مقروئة من على الأرض وأقرأها فلربما فيها فائدة معرفية جديدة أتلقفها . إنني لست من الذين يؤيدون التسوق والتسويق للكتاب وللقراءة بشكل عام ، فالقراءة عنوان عريض ، ولا أدخل في التفاصيل ، أتحدث هنا فقط عن نفسي كوني أستعرض عضلاتي المترهلة ، وأعرض نفسي ككاتب وشاعر متواضع يهرف بين أفذاذ نالوا الحظ الأوفر من المكانة الرائدة عن استحقاق وأحقيقة ، فأقول أنني أقرأ المتيسر بالتخصص ، وأملك الكتاب بالإقتناء ، وذلك ما يهمني ، ولا أقرأ سوى وقت الحاجة والإستعانة المرجعية ، غير ذلك لا شيء سوى طريقتي في استقطاب المعلومة ، كوني أظن أنني مستمع جيد ، وكذلك مقتطف للزهور من بساتين المعرفة لما أشتهيه ، غير ذلك فأنا لا أنتمي للقراءة من أجل القراءة.

أسوق ذلك لأمر واحد ، وهو أنه لا يعني أن الإنسان حين لا يكون قارئاً متخصصا ، لا يمكن أن يكون كاتباً ، وليس بالضروة أن يكون القارىء النهم كاتباً ، هي حالة تخصصية تحتاج لامتلاك الأدوات والتعود والثقة ، وتحتاج اولاً وأخيراً للسياحة الفكرية إن صح التعبير من أجل اكتساب الخبرة والتمرس ، ولن يتأتى ذلك دون الغوص في أحوال الناس والمجتمع ومتابعة الشأن العام والهموم التي تدفع الكاتب وتحفزه على الكتابة ، وأقصد هنا الكتابة على اختلافها سواء المقال أو الخبر اوالتقرير ، أو حتى الكتاب ولكن في مجال بعينه يستقطب القارىء المهتم .

حين نعرض القراءة كضرورة حتمية على الإنسان ونحاول أن نقهره على ذلك فكأننا نريده أن يعاف حتى النظر لكتاب الله ، فمن الأفضل أن ندع ذلك لإقباله الشخصي وهذه ليست الطريقة المثلى والوحيدة للتثقيف ، والكتاب ليس بضاعة للكسب المادي ابتداءاً ، قناعتي أن الكتاب هو الذي يجلب القارىء وليس العكس . وإنه في ظل تنوع وسائل اكتساب المعرفة خاصة من خلال قنوات التواصل الإلكتروني أصبحت العملية سهلة التناول ، والقراءة منها ، والتي غدت في متناول اليد وغداً ربما نراها في الفضاء الذي يحيط بالعين فنقرأ ونتواصل ونحن نمشي أو نسبح أو ننام ، وما أدرانا ؟.

لم تعد القراءة الورقية مطلب سوى للذين يستهوون القراءة وربما للذين يهوون تكديس الكتب ، وربما أيضاً للذين يحبذون صداقة الكتاب على صداقة المشاعر والأحاسيس.

لا يعني ذلك أننا نحارب القراءة ، فالقراءة أمرٌ والكتاب أمرٌ آخر ، ووسائل اكتساب المعرفة كثيرة ، ومن أفضلها ذلك العجوز الذي يجلس على قارعة الوحدة ويقطر لسانه شهداً وحكما وقصصاً ولكنه لا يجيد الكتابة والقراءة وأدواتهما في أبسط ما يعرف ، فنتلقفه نحن ونكتبه بصيغ مختلفة لتخرج في حلة رائعة دون عناء التجول بين المكتبات وشراء الموسوعات ، وإسألوني وأسألوا الغبار الذي يحيط بمكتبتي المتواضعة والتي تزيد كتاب أو ثلاثة في السنة بين شراء أو هدية ، وكم أرى أن الكتاب هو أفضل الهدايا على الإطلاق ، خاصة أذا وهبك إياهُ صاحبه.


error: المحتوي محمي