من وحي دعاء اليوم الثامن من شهر رمضان: إحاطة اليتيم بالاهتمام

من خصائص المنهج التربوي والاجتماعي الإسلامي وجود نظرة شمولية تدرس شخصية كل لون من ألوان الطيف المجتمعي، وتجد من التعاليم والتوجيهات ما يناسب السير التكاملي له، واليتيم ذاك الطفل الذي لم يبلغ الحلم ووعت عيناه على الدنيا وقد ارتحل أبوه من الدنيا، فاقدًا جناحًا مهمًا يطير به في أفق تنمية شخصيته ورعاية احتياجاته وتلبيتها بما يناسب الحياة الكريمة اللائقة، سواء كان ذلك في الجانب المادي الذي يوفّر احتياجاته من مسكن وملبس ومأكل دون منة من أحد، أو الجانب المعنوي التوجيهي الذي يلاحظ سلوكياته ومهاراته وعلاقاته، فيرفده بالتوجيه الدائم والتشجيع لكل خطوة ينجز فيها أمرًا، ولكنه الآن أسير الدمعة والحزن والإحساس بالاختلاف عن بقية الأطفال الذين يحاطون برعاية آبائهم، فيسمع من أقرانه عن هدايا آبائهم وتنزهاتهم وهو بعيد عن تلبية أبسط احتياجاته، وخاصة إذا لم تتلقفه أيدي الرحمة من أقربائه وأصحاب الأيادي البيضاء ممن يملكون وجدانًا مرهفًا يتحسس آلام وحاجات الآخرين، وتنبض عواطفهم فتحن على من فقد معيله وموجهه.

وهذه المنهجية الإسلامية تدعو إلى الأخذ بيد اليتيم وإعداده ليكون فردًا سويًا من الجهة النفسية والوجدانية، من خلال إحاطته بالرعاية والاهتمام والسؤال الدائم عنه والاستماع لليتيم والتحاور معه، وذلك بهدف التعرف على معالم شخصيته وطريقة تفكيره وما يمتلكه من مهارات يسهمون في تنميتها.

وهذا ما يهيئ لانسجامه مع أقرانه في التعليم والبرامج التدريبية والنشاطات الثقافية والرياضية والتطوعية، دون أن يستشعر أي نقص عن بقية الأطفال استعدادًا لانخراطه في التنمية المجتمعية مستقبلًا، وإلا فإن أي إهمال لليتامى واحتياجاتهم سيعود بالوبال والخطر على المحيط به، وذلك أنه إما أن يكون شخصية كليلة لا همة له في التعليم، فيصبح عبئًا على مجتمعه ينتظر المساعدة وتلبية احتياجه، أو أن تتجه به نظرة الحقد للمجتمع الذي يظن أنه يحتقره ولا يعتني به، فيتجه نحو توفير احتياجاته عن طريق الجريمة المنظمة بالسرقة والنهب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة.

التعاليم الدينية المتعلقة باليتيم واضحة ومفصلة في العناية به، والحث على عدم معاملته معاملة قاسية ولو بالنظرة الحادة له، وأي ازدراء وتجاهل له يعد من المناطق المحرمة التي لا يجوز الاقتراب منها.

وكم من الثواب العظيم الذي يناله من يتلاطف مع اليتيم بابتسامة تزرع الأمل فيه، وتخفف عنه ألم الفقد لوالده وتدخل عليه الأنس لشعوره بمحبة الآخرين له، وأنه ليس بذاك الشخص المنبوذ بينهم.

الإعداد التربوي والنفسي والاجتماعي لليتيم يقوم على تهيئته ليكون شخصًا فعّالًا ومساهمًا في تقدم وازدهار مجتمعه، فهذا الدمج الاجتماعي له يشعره بأنه جزء من المجتمع ويستطيع أن يأخذ حظه من التعليم والتدريب، بما يحقق طموحاته وأهدافه المستقبلية.


error: المحتوي محمي