من فيوضات الشهر الكريم التي يتسلح بها المؤمن كخط ممانعة ثانٍ، بعد أن يضعف في مواجهة الإغراء والتزيين في بعض الأوقات، فلا يصاب بردة فعل شديدة تأخذ به نحو اليأس من محو أثرها، فيظن أنه ارتكب معصية لوثته للأبد فلا فائدة ولا خطوة يرجى منها التراجع والتعديل في مساره نحو نور الطاعة والرضا الإلهي، فهذا باب فتحه الله تعالى لعباده العصاة ليجددوا عهدهم بالطهارة الروحية، ويتخلصوا من آثار تلويث المعصية وشوائبها، بل وتقوى حصانته أمام تسويلات الشيطان والنفس فيحذّر من الوقوع في الخطإ مجددًا بتجنّب العوامل المؤدية إليه.
ومن خطوات الشيطان الرجيم التي يوسوس بها في قلب العبد ويغريه بها لارتكاب الذنوب؛ عدم الاعتراف بوقوع الخطيئة أصلًا، بل يتذرع متسلحًا بالتبرير وخلق الأعذار، بل ويحاول أن يجد لها مبررات ومسوغات ترفع عنها التوبيخ واللوم، وفي النهاية تصب في مصلحته ولا تنسب له ارتكاب الخطيئة، فإذا اغتاب أحدًا من الناس أو بحث في عثراته ليفشيها، بحث عن مسوغ شيطاني يجنّبه الاعتراف بارتكابه المعصية، فيتذرع بأن هذا الشخص الكل يعرف عنه ذلك، أو أردت أن أحذّر المؤمنين منه، وإلى آخره من شكل هذه التخرّصات.
الاستغفار يؤسس لثقافة الاعتراف بارتكاب الخطيئة التي تبعده عن هذه النزعة الشيطانية، فالاعتراف بالخطيئة فضيلة، وذلك أنها خطوة أولى لتصحيح سلوكياته، فينطلق في رحاب الرجوع إلى الله تعالى عازمًا على عدم المعاودة لممارسة الموبقات التي ترديه وتحل عليه بمصيبة السخط الإلهي.
والاستغفار يأخذ موقعيته وأثره بدراسة أسباب ارتكاب الذنب والعزم بعدها على تجنبها، فليس بشيء الاستغفار من النميمة والغيبة في مجلس يعج بالتعرض لأعراض الناس ثم يعاود مراودته وكأن شيئًا لم يحدث.
الاستغفار تحرك متآزر بين العقل والوجدان ينتشل صاحبه من وحل الذنوب، فقد استيقظ عقله من الغفلة عن المصير الذي سيلاقيه إن استمر في ارتكاب المعاصي، وعانى من تعب نفسي أثقله بالهم من الحال السيئ الذي وصل إليه، فقد أحاطت به خطيئته واستفزه ألم المعصية وما سيلقاه من عقوبات أخروية عليها، فهل بالآثام يكون شكر المنعم على ما أمده به من آلاء لا تحصى؟!
الاستغفار حركة تصحيحية لسلوك خاطئ، وهذا التصحيح يقوم على أسس؛ وهي: الندم والتأسف على ما فات؛ فتراه منكسرًا مطأطئًا الرأس متألمًا كلما تذكر أوقات المعصية وما جناه بحق نفسه.
والأساس الآخر: العزم على ترك المعصية مستقبلًا بالحذر من أسبابها، متسلحًا بالخشية من الوقوع في الخطإ مرة أخرى، مع التأكيد على تخصيص أوقات لمراقبة سلوكياته والانشغال بإصلاح نفسه.