حذّر فضيلة الشيخ حسين المصطفى من الفتن الأربع التي قد يتعرض لها الإنسان، وشرحها ضمن رؤية قرآنية، متخدًا القصص الواردة في سورة الكهف مدخلًا لشرحها، وربطها بواقعنا المعاصر، بحيث تجسّدت الفتن في قصة “أصحاب الكهف” فتنة الدين، وفتنة المال والولد قصة “صاحب الجنتين”، وقصة النبي موسى مع العبد الصالح (ع) في شرح فتنة العلم، وقصة “ذي القرنين” فتنة السلطة، مقدمًا الحلول لعلاجها لتفادي الوقوع فيها.
جاء ذلك في لقاء فضيلة الشيخ حسين المصطفى، وتقديمه بصورة بحثية بعنوان “الفتن الأربع في حياة الإنسان.. رؤية قرآنية”، ضمن البرنامج الرمضاني النسائي للنشاط الثقافي بالربيعية 1439هـ، يوم أمس الجمعة 2 رمضان 1439هـ، بحسينية الرامس بالربيعية، بحضور عدد من المهتمات بالشأن الثقافي والاجتماعي في المجتمع.
وبدأ حديثه في توضيح مدلول تعبير الفتن في القرآن الذي جاء في 63 موضعًا، في 15 معنى يجمع بينها الابتلاء والاختبار من الله، واستخدمت كمصطلح إسلامي في كل ما من شأنه تربية الاستعداد للإنسان، بحيث يوصّل الإنسان إلى فطرته من خلال التربية والامتحان، التي منها رفعة رقي الإنسان لنفسه، التي تأتي من التجربة والابتلاء.
وسلّط الضوء على فتن الإنسان على مدار الحياة، وكيف يمكن معالجة مشكلات الحياة الدنيا، مؤكدًا أن من يستطيع تجاوزها فقد عصمه الله وأدخله الطريق المستقيم الواسع، متخدًا سورة الكهف مدخلًا لهذه الفتن كونها لها مدلولات واسعة وإشارات مهمة عند قراءتها وربط ما بها من مواعظ وبيّن روافدها وآياتها بعضها ببعض، كونها تعرضت للفتن الأربع، ومع قراءتها فإنه يعيشها لحظة بلحظة عن طريق تأمل آياتها.
واعتبر الحياة الدنيا مائدة الله المفتوحة التي يغترف منها العلم والفقاهة والتدبر، من خلال استنطاق القرآن، والنظر للأثر الذي يتركه في النفس، داعيًا إلى تدبره بتخصيص سورة وتدبرها طيلة الشهر الكريم واستشعار الحلاوة الروحانية للشهر.
وأشار إلى أن البعض تأتي له نعم ومائدة الله وينسى غيره ويصل إلى البطر ودون وعي يشعر أنها له وحده في حين هي مقسومة له ولغيره، منبهًا أن شهر رمضان ليس فتح الجيب وإعطاء الفقير، أنما هو فرصة إلى الصبر على تغيير روتين وعمل يومي، مع ضبط السلوك وفق رؤية القرآن، والتي يتجلى من خلال النفس انطلاق الروحانية والتزود به.
وأضاف أنه تأتي مرحلة الحب بمحبة الخير للآخرين، داعيًا أن يكون ارتباطنا بشهر رمضان فرصة لتعديل السلوك وتجلي النفس وانطلاق الروحانية وليس من خلال طقوس وشعائر.
وأعطى سببًا آخر لتسمية سورة الكهف بهذا الاسم غير نسبتها لقصة أصحاب الكهف، والتأمل في سياق السورة التي تتحدث عن الفتن وحياة الإنسان من خلال هذه الفتن، وهنا أشار إلى أن مرادف الكهف المعنوي كأفضل مأوى يلجأ له الإنسان بالبعد عن الفتن، مقدمًا الكهف على أنه الحياة التي يعيش بها المؤمن الممتحن والتي لها قوانين خاصة، فيحتاج إلى عزلة للتدبر في معاني الله، وكشف الغفلة، بدخول الكهف الذي يكون داخل الإنسان ويقف وقفة بينه وبين ذاته.
وتناول فتنة الدين على ما جاءت به قصة الفتية مع الدين وخوفهم على دينهم وتوجههم إلى الكهف، لافتًا إلى المقاربة بينهم وبين النبي يونس حيث كان كهفه هو الحوت ومن ثم نشر الدين بالنبوة والتجربة.
واستعرض الشيخ أحداث قصة الكهف والحكمة منها، وكيف أعطت السورة مساحة كبيرة لقصة فتية الكهف، وفرارهم بدينهم واستكمال وعد الله، وبعثهم الله ليعلموا أن الله حق ويحتاج ذلك إلى بصيرة، مع اختلافهم في عدد الأيام التي ناموا فيها.
وهنا يعتبر اختلاف في مدركات الزمن، لأنهم لم يعيشوا النوم من أجل النوم بل من أجل أن يعيشوا حالة الإصلاح.
وناقش فتنة المال والولد وكيف قرن الله المال والولد في القرآن عبر 24 موضعًا، راويًا قصة “صاحب الجنتين” الذي جسد فتنة المال والولد، بعد أن اغتر بهما ونسى ربه، وكيف فرط فيها، منوهًا إلى أن المال ليس النقود فقط بل كل ما يعيشه الإنسان من متاع دنيوي، مشيرًا إلى أن القضية ليست قضية مال يتفاخر به على الناس وينسى ربه به، إنما هي قضية الإنسان وحركته في الوجود ومهما توجه الإنسان للمال فإنه يتوجه لما قسم خاص به، بغض النظر عما يملك، وإن كان الواقع الذي يعيشه التجار هو حالة الجشع، وكلما كثر المال كثر الجشع.
وآثار في حديثه ظاهرة وقوف الزمان كونها ظاهرة إنسانية تشمل الأفراد والمجتمعات وحتى التاريخ، سواء كانت حالة فردية أو جماعية، وتكون بعد التعرّض لتجربة أو محطة قوية في حياته، وتحدث نقلة جوهرية في حياة الناس وفي هذه الحالة يعيش الإنسان في اللاوعي، مستذكرًا ببعض الأحداث التاريخية التي وقف عندها الناس، وقد يقف الإنسان عند نقطة معينة؛ ومنها ما حدث بعد وفاة الرسول (ص) وكيف غيرت خط الإسلام، كما يقف الزمن عند المستبدين في الأرض.
ونبّه المصطفى إلى أن منشأ الاختلاف على القضايا التطوعية في المجتمع هو عدم معرفة الناس قيمة الحب بينهم، والزمن وقف عند مطامع الإنسان لقلة التجارب، عندما تتضخم الأنا والكبرياء، والعلم الذي يفتقر إلى التواضع، كونه لا يقدره إلا من يحمل الأخلاق الحسنة، والوصول إلى الاستغناء الفعلي عن الله.
واعتبر فتنة العلم من أصعب الفتن في الوجود، مستمدًا قصة النبي موسى والخضر أو العبد الصالح (ع) منطلقًا للحديث عنها، كونها من أعمق القضايا التي خاضها النبي موسى، وفرصة لنهل العلم والحكمة من العبد الصالح، مشددًا في حديثه على إعطاء أهمية للمعلم في الحياة، ومنها معلم الدين وسط ما ينادى به عدم أهميته في الحياة مع تقدمها، وأن الإنسان لابد أن يتحمل الكثير والكثير للحصول على العلم.
وأخيرًا صنّف فتنة السلطة من أخطر أنواع الفتن، مستدلًا عليها من خلال قصة “ذي القرنين” مع اتصافه بالحكمة والقوة والمال، فقد كان مثلًا لصاحب كل فتنة، مرشدًا إلى الحكمة من التعقيب الإلهي للفتن التي يمر بها الإنسان، والأخذ بالإخلاص في العمل، مع التدبر في سورة الكهف لما تحمله من مضامين ترشد إلى الوقاية من الفتن الدنيوية.