خفة العقل و الخداع

من وحي دعاء اليوم الثالث من شهر رمضان

في إطلالة على القيم المعنوية و الدروس المستلهمة من مدرسة الصوم التنويرية لفكر المؤمن و سلوكه ، نقف على كيفية صياغة تفكيره بأسس الفطنة و الحكمة و الصدق و البصيرة الواضحة ، من خلال التعامل مع القضايا و المفاهيم بإصدار الأحكام و القرارات الواقعية ، و تقييم خطواته بالنظر لعواقبها و نتائجها ؛ لئلا تلحقه الخيبة و الندم بسبب الجهل أو القرار المتسرع أو الخطوات العاطفية البحتة.

فمن آفات الفكر الواعي حالة السفاهة ، و التي تشير – مع تعدد صورها – إلى خفة الرأي و التصرف الأحمق الأهوج ، مما ينجم عنها قرارات و قراءة خاطئة ، و لا يأتي من تصرفاته إلا الشر و العدوان و الخراب.

و هذه الخفة و الضعف في الفكر تنعكس ظلالها على مختلف جوانب حياة هذا الإنسان في حديثه و تصرفاته و علاقاته الأسرية و الاجتماعية ، فالكلمة المسئولة و ذات المعنى و المصداقية فتلقى تقديرا من أذن من يسمعها ، تنطلق من عقل يزنها و يحكم اسسها و هذا ما يفتقده المعتوه في فكره ، فالسفيه تنطلق كلماته خبط عشواء و لا تصيب كبد الحقيقة أبدا ، و لذا لا رصيد لكلمته و لا يرتب عليها أي أثر ، فينشغل بالثرثرة و الفضول و الحديث بسوء عن الآخرين.

كما أن تصرفاته لا تختلف كثيرا عن أفعال المجانين ، و الذين يتوقع منهم الخطأ و الضرر بالغير إذ لا يشعر بالخوف من المحاسبة أو العقوبة ، فيستجيب بسرعة لانفعالاته و لحظات غضبه جامحا في كل اتجاه.

و أما علاقات السفيه فهي مصطربة و سرعان ما تتوتر لأبسط الأمور ، فالسفيه لا يقدر عواقب تهوره و طيشه ، فلا يهتم للمشاحنات و الحوارات الساخنة.

و من صور السفه الإنساني أن ينصرف فكره و وجدانه عن خالقه ، فخاف على رزقه و هام بحطام الدنيا الزائل ، فعاش حياة الفراغ و اللهو ناسيا آخرته.

و من السفه مصادقة أصحاب السوء الذين لا يستحثونه إلا نحو الخطايا و التعمية عن الفضائل.

و من السفه التصرفات الخاطئة في ماله إسرافا أو بخلا ، متغافلا عن كون المال وسيلة لتوفير مستلزمات الحياة الكريمة بقدر الاعتدال.

و الدعاء بالتخلص من السفه يعني دعوة نحو الرشاد و الاتزان ، و التعامل مع الأمور بحكمة و اتزان و روية.

٢ – التمويه : و من آفات الفكر الواعي هو التعامل بالتلون و الالتفاف و تزوير الصور و الحقائق ، فالتمويه لا يعني كذبا تاما بإخفاء الحقيقة أو إنكارها كليا ، بل هو إلباس الحق ثوب الباطل و تقديمه و كأنه الحقيقة الناصعة ، فالتمويه نوع من التنسيق مع المصالح ، فليس هناك من قيم أو قوانين يتمسك بها بل يلون كلماته و مواقفه بما تمليه عليه المنافع التي يستجرها ، و قد يكون هدفه التمويهي هو إيقاع الشقاق و استعار الخلافات و نشوب الفتنة بين الناس ، أو يكون هدفه التمويهي بث الشبهات الموقعة للغير في الحيرة و الاضطراب.

و التنزه من التمويه و الخداع يعني تجلي الشفافية و المصداقية في شخصية المرء ، فالمكر و تزوير الحقائق وسائل رخيصة لا يتناوشها الصائم.


error: المحتوي محمي