من وحي دعاء اليوم الثاني (٢)

التلاوة الخاشعة :
( و وفقني فيه لقراءة آياتك )
العلاقة مع القرآن الكريم ترسم معالم السمو و التألق الفردي و المجتمعي ، و ذلك أن مضامين الآيات الكريم ومضات ضياء تهدي في دروب الحياة و متاهاتها و أزماتها ، و ترفد المؤمن بتلك القيم التي تلون فكره بالحصافة و الحكمة ، و تقوم سلوكه بالاستقامة على جادة الصواب بعيدا عن الاستجابة لتسويلات النفس ، فتلك اليقظة الروحية مكتسب يتجدد كلما تدبر و تمعن في المفاهيم و الآداب التي يدعو لها القرآن.

القراءة الحقيقية للمصحف الشريف الذي يمثل دستور قيم و منهج حياة للمؤمن ، بالتأكيد لن يكون لقلقة لسان يغيب عنها الفكر و الوجدان ، بل هي تفاعل مع معانيه و مراميه و مقاصده و فهم المراد منها ، لتبدأ الخطوة المهمة التي تليها و هي التخلق بالقرآن و استحضار توجيهاته على أرض التطبيق الواقعي ، و إلا فإن تلك الازدواجية و الانفصال ما بين حفظ آياته و فهم معانيها و بين غياب أثره السلوكي ، تعني الخسران و الحرمان من فيض الفرقان ، و تضييعا لهذه الرحمة المهداة لهداية العباد إلى الحق.

و لذا نجد مزيدا من الاهتمام الخاص في الآيات و الروايات و الأدعية الداعية إلى إيلاء عناية فائقة بكتاب الله ، و تشجع نحو تخصيص جزء من وقته لملازمته و التدبر في معانيه ، مستعينا بكتب التفسير و ما سطره العلماء من استخراج لكنوز القرآن و لآلئه ، مع توجيه لقراءة واعية يفرغ فيها عقله و قلبه من الانشغالات و الصوارف عن فهم معانيه و استحضارها في وجدانه ، فما نسمعه من سيرة المعصومين و أولياء الله الصالحين من تفاعل مع آيات القرآن حتى يبان عليهم علامات خشوع القلب ، حتى تنهمر الدموع بكاء على النفس المقصرة في حق ربها هو تطبيق للقراءة الخاشعة ، و متى ما كان المؤمن حليفا لكتاب الله و حيا في وجدانه فإنه يسير في طريق السعادة و الفلاح ، فسير التكامل النفسي و السمو الروحي ترفده التلاوة الخاشعة بكل معاني الإيان و معرفة الله تعالى و التفكر في آياته المبثوثة.

و مع تغلغل مظاهر الحياة المادية و معاناة البعض من الجفاف الروحي و الضآلة الفكرية ، نجد من يعيش مع القرآن غير عارف بحقه ، من خلال تلاوة سطحية يحرك فيها لسانه و يغيب عقله عن البحث عن معانيها و مراداتها ، فيؤثر في قراءته استحضار كل شيء – مهما تضاءلت أهميته – و يغيب فكره عن استشراف و استفهام المضامين ، فكيف يمكنه أن يعمل بكتاب الله و يكون قرآنيا في فكره و سلوكه و هو لا يفهمه ؟!

عندما ينفتح القلب الواعي على الآيات الكريمة التي تتحدث عن رحيل الإنسان و حلول ساعة موته ، تنقطع عن نفسه علائق العشق لحطام الدنيا الزائل ، و ما إن يتلو الآيات الكريمة التي تتحدث عن محكمة العدل الإلهي و نشر الصحف و ما أعده الباري من عقاب أليم لعصاة عباده ، تتوقد روح الحذر و الممانعة النفسية أمام السيئات ، و ينطلق من حالة الخوف إلى التعلق بالرجاء و الطمع في رضوان الله حينما يتلو الآيات الكريمة التي تشير إلى ما أعده سبحانه من نعيم لعباده المطيعين الذين أخلصوا عملهم.

و من المؤلم أن تجد من يتلو القرآن الكريم و لكن واقعه و حياته و أسس علاقاته تخالف التعاليم القرآنية تماما ، فقطيعة الأرحام و الخيانة و الاستهزاء بالآخر و غيرها تجدها في سلوكه ، و هذا ما يعني وجود خلل في العلاقة بكتاب الله تعالى .


error: المحتوي محمي