طالب الدكتور أحمد فتح الله التاروتي بتنمية وتعليم الطفل لغات غير اللغة الأم في سن مبكرة، مع بدء مرحلة الدراسة الابتدائية، لما لديه من الاستعداد المفتوح لاكتساب اللغة، معتبرًا أن الاعتقاد بأن أنسب عمر لبدء تعليمها هو 12 عامًا، يُعد اعتقادًا خاطئًا من الناحية البيولوجية لأن قدرة الطفل على الاكتساب تقل تدريجيًا.
جاء ذلك خلال حديثه في لقاء يوم الجمعة 18 شعبان 1439هـ، الأسبوعي بديوانية سنابس، والذي جاء تحت عنوان “قراءة في لغة الطفل وتنميتها”، بتنظيم من لجنة التنمية الاجتماعية الأهلية بسنابس، وبحضور مجموعة من المهتمين بالثقافة والتربية.
وبدأ اللقاء الذي قاد دفة حواره زهير الضامن، بتعريف “التاروتي” لمصطلح اللغة، وأوضح أنه نظام معقد يتكون من عدة أنظمة، وظيفتها التعبير عن الذات والتواصل مع الآخرين، وأكد أن اللغة أفضل إبداعات الإنسان التي يسعى إلى تطويرها بشكل مستمر.
واستعرض بعض النظريات العلمية في مجال علم النفس والتربية، والتي توضح كيف يكتسب الطفل لغته من المحيط الاجتماعي وليس بتعلمها، ليتمكن من التواصل مع من حوله، وتحقيق رغباته ومشاعره، وذلك في سنوات الطفولة من عمره.
وبيَّن “التاروتي” عدة عوامل تساعد على اكتساب اللغة، هي: الجنس، والمرحلة العمرية، ومعدل الذكاء، وتركيبة الأسرة، وثقافة الوالدين ومدى قراءتهما له، وترتيب الطفل بين إخوته، ووجود لغة مزدوجة، مؤكدًا في شرحه للعوامل أن البنات أكثر اكتسابًا للغة من الأولاد بحكم علاقتهن وقربهن من أمهاتهن، كما أن نظرية تعدد الذكاءات أنصفت البعض كون الذكاء اللغوي أحدها.
وفسر السبب وراء إخفاق بعض الطلبة والطالبات في تعلم واكتساب اللغة الإنجليزية، حيث ذكر أنه يعود إلى التأخر في تعليم الطالب اللغة بعد أن وصل إلى مرحلة ضمور وإشباع لاكتساب لغة ثنائية، بالإضافة إلى طريقة التعليم من معلم غير مؤهل علميًا، ونظام التدريس، إذ نجد الطالب يتعامل مع اللغة الإنجليزية كمادة قد ينجح فيها فقط، وليس مهارة يكتسبها، مما يوجد مخرجات مؤسفة للعملية التعليمية.
وحذر الدكتور من الأثر السلبي للأجهزة اللوحية كونها لا تعطي لغة تواصل مع الآخرين، وإن كانت جيدة كوسيلة للتعلم، منوهًا بأنه من الخطأ إجبار الطفل على الحديث في السنوات الثلاثة الأولى، حال تبين سلامة الجهاز العصبي والسمعي والكلامي، وذلك لتعرض أغلب الأطفال لمرحلة صمت، وهذا الصمت يكون ملاحظة ومراقبة وليس غضبًا منه.
وتعددت المداخلات والتساؤلات من الحضور، والتي تدور في ذات المحور، فكان من بينها سؤال الفنان عبد العظيم آل شلي: “لماذا انقرضت بعض اللغات؟”، وسؤال حبيب المضري: “متى يمكن تعليم الطفل لغة ثانية مناسبة وبصورة لا تؤثر على اللغة الأم؟”، بالإضافة إلى سؤال مهدي آل درويش حول ظاهرة الصمت وتمرد الطفل ورفضه الكلام في المدرسة.
وأكد الاختصاصي النفسي أحمد آل سعيد ضرورة التشخيص الدقيق لحالة الصمت الاختياري عند الطفل، وتكون من فريق علاجي متخصص، مع تفعيل دور الأسرة والمدرسة، ومعرفة هل سببه خوف أو خجل أو عناد، لمعالجة كل نوع وفق حالته الخاصة.
وفي ختام اللقاء، وجهت إدارة لجنة تنمية سنابس، الشكر للضيف الدكتور أحمد التاروتي على ما قدم من معلومات.
يشار إلى أن الدكتور أحمد فتح الله التاروتي أكاديمي وباحث لغوي، وهو من مواليد تاروت عام 1374هـ، وحاصل على إجازة في الفلسفة من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس في أمريكا عام 1990م، كما مُنِحَ شهادة الدكتوراه في علم اللغة التطبيقي من ذات الجامعة عام 1991م.
وصدرت لـ”التاروتي” مؤخرًا الطبعة الثانية من كتاب “معجم ألفاظ الفقه الجعفري”، وله أيضًا مخطوطات جاهزة للطباعة والإصدار، منها: “معجم المثنيات في اللغة العربية”، و”تهذيب مجمع البحرين” للشيخ الطريحي، كما أنه يعمل على مشروع “معجم مفردات الحسين الشهيد”.