كان أمين مكتبة، تحيطه الكتب على اختلافها من كل الجهات، أرفف ملأى بحكايات مكتوبة، يحرسها بعينه دون علم منه ماذا تحوي، عن ماذا تتحدث، وماذا يدور بداخلها، فقد كان “أمين مكتبة أمي”.. نعم أمي، لا يعرف القراءة ولا الكتابة، رغم أن أكثر ما كانت تقع عليه عيناه في وقت دوامه هي تلك الحروف والعبارات التي كانت تحتاج منه فك طلاسمها بالنسبة له، ولو من باب الفضول.
قبل 40 عامًا لم يكن التعليم مطلبًا رئيسيًا للقمة العيش، وما كانت الشهادة عائقًا في وجه من يطرق باب الوظيفة، جل ما كان يحتاجه الأمر الإقدام، ومواصلة الخطوات، لتصل إلى حيث تريد، ولتتجاوز ما تريد إلى أفق أكثر اتساعًا.
هاني العلوان أثبت ذلك بعد أن كان “أميًا” يبحث عن وظيفة تعينه على الحياة، وتوفر له ولأسرته عيشًا كريمًا، ولكنه لم يتوقف كثيرًا أمام تلك الألغاز المكتوبة، فقد اختار أن يفك طلاسمها بعد الالتحاق بالتعليم العام.
صغيرًا، أخذته قدماه ناحية جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران، طالبًا وظيفة يسترزق منها، حينها لم يكن هاني متعلمًا، جاءها أميًا بلا مؤهلات دراسية، ليكون موظفًا في المكتبة الخاصة بهيئة التدريس.
التحق بالتعليم العام، وهو على رأس العمل، بعد نصيحة تلقاها من أحد المدراء، ليكمل تعليمه، حين أبصره شابًا طموحًا، بسيطًا في تعامله، يعمل بجد واجتهاد، أحس بأن لديه المقومات، إذا ما فتح شرفته، ليدرس، فإنه سيصل في نهاية المطاف، ليكون متعلمًا، نعم، أكمل “العلوان” مراحله الدراسية الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وهو على رأس العمل، ليتخرج في الثانوية التجارية -ليل-، التي أصبح مسماها حاليًا الكلية التقنية، ويحصل على دبلوم أعمال مكتبية، رحلة كفاح، كانت الإرادة والعزيمة، حاضرة في تفاصيلها، لشاب في مقتبل العمر.
لم يكتف بإكمال مراحله الدراسية، وإنما سعى جاهدًا ليتعلم اللغة الإنجليزية، حيث اكتسبها من تعامله مع الأجانب، كالأمريكان، ممارسة، ودرس خمس مواد – كورسات -، كل هذا في تعلمه اللغة يأتي أمرًا طبيعيًا، إلا أن الغريب في ذلك، أنه كان يدرس المادة وينجح فيها، ويعيد دراستها مرة أخرى، ليفصح عن السر في ذلك، بأنه أراد أن يتقن اللغة، لهذا يعيدها.
وقال بلغة النصح: “ينبغي أن يغامر الإنسان، أن يتعلم، أن يعيش أهمية تعلم اللغة الإنجليزية، سعيًا دؤوبًا في تعلمها”.
قضى في وظيفته 40 عامًا وستة أشهر، جاءت عشرون منها أمينًا للمكتبة، وستة عشر عامًا مديرًا، لتبقى 4 سنوات وستة أشهر موظفًا.
اتسمت علاقاته مع زملائه ورؤسائه بكل الحب وحسن المعاملة، لينقش في ذواتهم شخصه وأخلاقه، ليحبوا معشره، والجلوس معه، والحديث. لم تكن لحظات تقاعد، بقلبه، لسنيه الطوال في العمل، تمر مرور الكرام، حيث أبى زملاؤه ورؤساؤه إلا أن يجعلوا تلكم اللحظات، دقائق ذكريات، تختزل كل السنون التي كانت ترافقهم معه، ليكرم مؤخرًا من زملائه الموظفين، يتقدمهم الزميل سعيد الحيراني، الذي رتب احتفالية التكريم، كذلك، تكريم رئيس مركز المجتمع في المبنى، المدير العام عبد الله الخالدي له، ليكون ختامها تكريم عميد المكتبة الدكتور صالح البريدي.
وأكد هاني أنه سعيد جدًا بهذا التكريم، ليعتريه الهناء، كأنما من حروف اسمه له نصيب، مشيرًا إلى أن زملاءه ورؤساءه، كانوا في حياتهم العملية إخوة، بل أكثر منه بكثير، وأنهم بهذا التكريم، وضعوا قلادة ممزوجة بباقة ورد على صدره، سيبقى لطيف عبيرها، بكل أيامه، ذاكرة لا يخترقها النسيان.