انطفأ النور من عينيها ولكن لم ينطفئ الأمل من روحها؛ فليس هناك مستحيل يقف أمام بصيرة إنسان تقوّى بالعزيمة والإرادة الصلبة؛ لتحقيق هدفه مهما عاندته الظروف والإمكانيات.
فها هي الخريجة بيان أحمد الزيمور تقف على منصة التكريم لحصولها على المركز الأول وتخرجها بمرتبة الشرف بدراستها الجامعية في جامعة الملك سعود بالرياض، ضمن تخصص التربية الخاصة، مسار صعوبات التعلم، لتثبت أن عمى البصر ليس عائقًا لحصد المراكز الأولى في الدراسة.
الكفيفة الوحيدة في الدفعة
تحدثت الزيمور لـ«القطيف اليوم» عن مشوارها الدراسي، وقالت: “بأول الدراسة وفي السنة التحضيرية كان معها مجموعة من الكفيفات ولكن بعد الدخول للتخصص أصبحت الكفيفة الوحيدة مع 13 مبصرة بالقسم”.
هذا سبب اختياري للتخصص
وعن اختيارها للتخصص قالت: “اخترت تخصص تربية خاصة مسار صعوبات التعلم لأني أرى نفسي بالتدريس أكثر ولأن المجالات محدودة جدًا، لمثل حالتي فكل التخصصات الموجودة علوم إنسانية، فأفضل شيء وأقوى شيء من بين هذه التخصصات هو التربية الخاصة وهو أقرب مجال بالنسبة لنا كذوي احتياجات خاصة”.
رحلة المعوقات
مع كل رحلة نجاح هناك رحلة توازيها مع المعوقات، فعن المعوقات التي صادفتها الزيمور قالت: “من بداية مشواري الدراسي تأخرت ثلاث سنوات، حيث دخلت في أول سنة لي مدرسة ابتدائية عادية، بعدها تعب بصري ولم أستطع الإكمال وبقيت في البيت لمدة سنتين، إلى أن تم فتح برنامج الدمج ودخلت فيه وهذا سبب تأخري ثلاث سنوات – ولله الحمد – مع هذا التأخر تخرجت وأنهيت الدراسة قبل الفتيات اللاتي كنّ معي وبنفس عمري”.
وأضافت: “وبعد الانتهاء من الثانوية لم أكن أنتوي الدراسة بالجامعة فقد كان طموحي الالتحاق بالبعثة فلم أسجل بالجامعة إلا متأخرًا بعد انتهاء فترة التسجيل، حيث تم إبلاغي أنه لا مجال لذلك فحاولت في الابتعاث سنة كاملة ولم يتم الأمر فقررت في السنة التي تليها التحرك والتسجيل في جامعة الملك سعود بالرياض، وكانت أول مشكلة صادفتني هي قبولي مع عدم ظهور اسمي ضمن المقبولين، وبعد محاولات عديدة وخطابات وتردد على مكاتب الإداريين وبعد انتهاء فترة تسليم الأوراق الرسمية، انتهي الأمر أخيرًا بقبولي بالدراسة في الفصل الدراسي الثاني عوّض عن الانتظار للسنة الدراسية الجديدة”.
اختبار بديل
وتتابع الزيمور رحلة المعوقات وهي تردد ألفاظ الحمد بين كل جملة وأخرى لتقول: “كانت لدي مشكلات؛ كوني التحقت بالجامعة بالفصل الدراسي الثاني فواجهتني مشكلة في السنة التحضيرية حين بدأت دراسة مادة اللغة الإنجليزية مع بقية البنات، وفي منتصفه، تم إبلاغي أنه علي دراسة المستوى الأول حيث يدرس قريناتي المستوى الثاني للمادة، فلا يصح دراسة مستوى قبل الذي يسبقه، وبعد محاولات تم استدعاء معلمة لي مع مرافقتي التي تصرف لي الجامعة مكافئة بدل قارئ لها، وأنا من أقوم بالبحث عن هذه المرافقة لتكتب لي المحاضرات وتسجلها وتقوم بمساعدتي في التنقل – ولله الحمد – تيسّرت أموري فيه”.
وتُكمل: “لكن أكبر مشكلة واجهتني حين اختبرت اختبار الإنجليزي الاختبار البديل ولا أعلم لماذا تم اختباري اختبارًا بديلًا وزميلاتي تم أداؤهن للاختبار بوقته، وهذا الاختبار جعلني أدخل التخصص متأخرة، حيث كان وقته متأخر وتصحيحه جاء متأخرًا، أيضاً مما أدى لالتحاقي مع بنات التخصص في الأسبوع الثالث من الدراسة بعد مساعدة وكيلة الكليات العلمية التي طمأنتني بقولها: روحي ارتاحي يا بيان بينزل لك التخصص – إن شاء الله”.
بين الدرعية وعليشة
وتتنهد وهي تروي معاناتها مع هذا التأخير الذي أتعبها جدًا بين مواد السنة التحضيرية ومواد التخصص في المدينة الجامعية، حيث كانت موادهما متوزعة بين منطقتيّ الدرعية وعليشة وكل واحدة تبعد عن الأخرى بمسافة جعلتها تنتقل كل يوم بمكان فيهما.
يسقط سهوًا
وتحكي الزيمور مصادفة سقوط اسمها في كثير من الحالات كعدم نزول مواد لها، أو يكون اسمها بشعبة وهي بشعبة مختلفة، أو تذهب للاختبار ويتم إبلاغها أن اسمها غير موجود ولا تستطيع أن تؤدي الاختبار، وتقول: “يحصل كثيرًا أن يسقط اسمي في عدة حالات وأعاني في المراجعة لكي تنزل المواد، بجدولي أو يُسمح لي بالاختبار”.
انطفاء النور
وأشارت الزيمور إلى أن المشكلات التي واجهتها كانت فقط مع أول سنة ومن ثم تيسرت الأمور ولله الحمد، لكن مع وصولها للمستوى الرابع ذكرت أنها فقدت بصرها كاملًا حيث كانت قبله ترى جزئياً، وتقول: “كانت الفترة التي فقدت فيها البصر تمامًا هي فترة قريبة للاختبارات فتأزمت نفسيًا، حيث كان هذا المستوى الأصعب بين المستويات – ولله الحمد – الذي أعطاني القوة واستطعت الإكمال وأنهيت الاختبارات بمعدل ممتاز حتى تخرجت بمرتبة الشرف الأولى”.
المرافقة الإنسانة
وتتحدث الزيمور عن مرافقتها وتقول: “كانت أكثر شخص ساعدني هي مرافقتي التي كانت إنسانة بمعنى الكلمة، سخّرها الله لي ولم تقصر معي، وأيضًا صديقاتي وأهلي ساعدوني في تهوين المشكلات التي كانت تصادفني”.
أنا شيء الآن في نظرهم
وعن شعورها بعد النجاح والتفوّق تقول: “شعوري أني أثبت للناس الذين كانوا يظنون أني لن أكون شيئًا وأني لن أقدر ولن استطيع – لله الحمد – فقد وصلت لهذا المستوى وتخرجت من الجامعة ونلت البكالوريوس بمرتبة الشرف بمعدل جدًا عالٍ، وأثبتُّ للناس الذين كانوا ينظرون لي على أني لا شيء أني شيء الآن وأثبتُّ وجودي وأني أستطيع وأني أفضل منهم، حيث وصلت لأناس كانوا معي بالدراسة بنفس عمري واستطعت تجاوزهم وتخطيهم بمراحل”.
هذا ما شجّعني
نوّهت الزيمور عن المشجع لها للنجاح بقولها: “حاولت أن أرفع رأس أهلي وألا أخيّب ظن الناس الذين وثقوا بي ودعموني وساعدوني؛ فقلت لابد لي أن أصل لهذه الدرجة، لابد أن أصل لهذه المرتبة؛ مرتبة الشرف، والذي شجعني أني دائمًا أنظر للناس الذين هم أعلى مني وأقول لنفسي إنه لابد أن أصبح مثلهم بل وأفضل منهم فمثلما استطاعوا هم الوصول أنا أيضًا أستطيع”.
الخطوة القادمة
وعن خطوتها القادمة نحو الوظيفة قالت الزيمور: “نحن نعاني منذ 6 سنوات تقريبًا من مشكلة توقف توظيف المكفوفين في مجال التعليم بالقطاع الحكومي، وأتمنى من المسؤولين أن ينظروا إلى هذا القرار ويتم إعادة فتح المجال لتوظيف المكفوفين في مجال التعليم، فحاليًا هناك عدد كبير من المكفوفين ليس لديهم وظائف في التعليم، ونحن نعلم أن أغلب المكفوفين ليس لديهم مجال سوى التعليم أو في وظائف السنترال”.
وتضيف: “وحتى حين نقدم على وظائف الشركات فالشركات تضع شروطًا لا تتوفر لدى أغلب المكفوفين مثل توفر اللغة والخبرة، فكيف نأتي بالخبرة والشركات لا تقبل التوظيف إلا بوجودها ووجود اللغة؟! ربما نسبة 99% من والمكفوفين ليس لديهم لغة، فنحن نعاني من هذه المشكلة بالتوظيف، ونرجو إعادة النظر في هذا القرار، وأن يحاول أصحاب الشركات التنازل بتوفير فرص للمكفوفين تناسب قدراتهم”.
وتتابع: “بالنسبة لي فأنا ليس لدي مانع في أن أعمل في أي مجال حتى لو لم يكن في مجال التدريس، المهم أن يكون مجالًا يناسب قدراتي ووضعي ككفيفة”.
حافظة قوية تبحث عن دار للقرآن
الزيمور تملك حافظة قوية تساعدها في حفظ النصوص الطويلة وتبحث الآن عن دار لتعليم علوم القرآن وحفظه، بالإضافة للبحث عن دورات داخل تخصصها أو في مجال التنمية البشرية أو الموارد البشرية.