يمه الحب يمه

على الرغم أن الحب لا يمكن تفسيره ولايمكن سوى معايشته واختباره؛ الا انه يفسر كل شى، ولكن بمجرد سماع هذه الكلمة يتبادر الى أذهاننا الخطأ والرذيلة، فمثلاً عند نظري الى بعض تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي واقرأ قصص ما تسمى الحب إذ كان من حوالي شهر ما يسمى “عيد الحب” استذكر لكم بعض القصص :

-طالب يحب طالباً آخر ولكن يخجل أن يخرج مشاعره له خوفاً من ألسنة الناس الحادة ، سألته وانا انظر في طاولته قارئاً (ح.ن)و(ع.ع) فقلت : (هذا خويك؟) فأجاب بارتباك (لا) فقلت له : (يقول أمير المؤمنين : الحب مرض ليس فيه أجر ولا عوض، فارجوا ان تجد دوائك يا عزيزي) فابتسم في وجهي.

-لم أكن مقتنع في فكرة الحب ولكن في احدى الدورات التعليمية قال الاستاذ لي قصة وهي انه في احدى المرات وأثناء سفره مع الطلاب طلب احدهم ان يقدم للاخر وردة حمراء يعبر فيها عن حبه فلم يرفض اذ ان الحب خارج عن ارادته ثم أردف قائلاً : الحب يسجن القلب فلماذا لا نحرره؟
طالبة ارتمت في احضان صديقتها بعفوية وصادف بمرور مديرة المدرسة فأمرتهن بالذهاب الى مكتبها ثم قالت موبخة : (هذا منظر غير لائق وعيب)

-طالبة تلعب بشعر صديقتها وخلفهما فتاتان يتنادسوا في ما بينهم : (انظري ، انها تلعب بشعر حبيبتها) فردت (بويات هههه).
فهؤلاء يعيشون صراع بين نظرة المجتمع وتمرد القلب وهنالك أيضاً قصصاً من عبق التاريخ مثل :

– كليوباترا ومارك انطونيو: تعتبر قصة حبهما هي أشهر قصة حب ذكرها التاريخ، وجسدها الكاتب الإنجليزي شكسبير في مسرحية مأساوية بعنوان “انطونيو وكليوباترا”، فقد وقعا في الحب من أول نظرة، لكن علاقتهما أثارت غضب الرومان، حيث كان أنطونيو قائد الرومان، وخشوا أن تزيد قوة مصر مع وجود هذه العلاقة، لكن رغم كل التهديدات، تزوجا وحين جاء يوم كان انطونيو يخوض فيه حربا ضد الرومان، فتلقى إشاعات كاذبة بأن كليوباترا ماتت، فانتحر بسيفه، وعندما عرفت كليوباترا حزنت، ولم تحتمل فانتحرت هي الأخرى بالسم.

-قيس وليلى: قصة حب مستحيلة دارت أحداثها في الجزيرة العربية، روها المئات جيلا بعد جيل، كان قيس ملوعا بحبها حتي اطلق عليه “مجنون ليلي”، تحدث عن حبه لها في الكثير من قصائد الشعر، وعندما عُرف خبر الحب الذي يربط بينهما، منعها أهلها من اللقاء به فأصيب قيس بالاحباط، وامتنع عن الأكل، وأُجبرت ليلى على الزواج برجل آخر، ودفن قيس وليلى بعد موتهما في قبرين متجاورين.

– عنتر وعبلة : ​عنتر وهو رمز من الرموز الشجاعة عند العرب الا أنه ضعيف امام حبه , زاد تعلق عبلة به حتي أنها كانت سبب لباقة لسانه لأنه كلما جاء ذكر أسمها أمامه أنطبق لسانه بأبيات الشعر والغزل حتي علم أمها بعشقه لها فدعته للحديث وأعترف لها بحبه لأبنتها ولكنها عرضت عليه الزواج من خميسة جارية أبنتها لكنه أصر علي زواجه من عبلة ،حتي أشتهرت أبيات شعره حتي سمع بها أخو عبلة وتوعد بقتله .

فما رواه التاريخ عن الفواجع والقصص المؤلمة كان ضحيتها مُحب تنازل في سبيل من يحب.

لعل البعض منكم يقول إِنَّكَ تدعو الى دين جديد ولكن الحب كما قال المرحوم عبد الحسين عبد الرضا : «الحب عَمَي» ،وهناك فرق بين الحب والعشق والإعجاب فالحب كما يقال : «الحب بلاءاً والعشق سماً قاتلُ» وأما العشق فأتذكر في احدى حلقات مسلسل يوسف الصديق حيث قال نبي الله يوسف -عليه السلام – : «العشق مقدس والعاشق لا يعرف الخيانه» وقال «لا يجوز ان توسم النزوة بالعشق» وأما عن الإعجاب فهو الإعجاب بفكره وزيه وجماله ومنطقه ومن الممكن ان يختلط الحب بالإعجاب ، وهناك انواع ومراتب للحب نذكر منها :
الجمالي : الحب الجمالي أمر فطري، فالإعجاب به دائم، والميل إليه طبيعة في النفس والآيات الكريمة تشير في قوله تعالى : (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا..)وإذا كان المتاع هو ما يُتمتع به من ضروريات وحاجيات، فإن الزينة هي التعبير عن الجمال وما ذاك إلا تلبية لما استقر في النفس الإنسانية من مشاعر.

الفكري : اذا نظرنا إلى المجتمعات التي ينتشر فيها العلم، فإنّه يُلاحَظ أنّها مجتمعات مرموقة ومتطوّرة، وتعامل الأفراد فيها بين بعضهم البعض، كما تسود فيها الراحة والطمأنينة وقد كانت الحضارة الاسلامية ذات علم واسع إذ كان الكثير منهم يحب العلماء ويقول الامام -عليه السلام –
: (العلم خزائنٌ والمفاتيح السؤال ، فاسألوا يرحمكم الله فإنه يؤجر في العلم أربعة : السائل والمتكلم ، والمستمع ، والمحب لهم) فمحبة المفكرين والعلماء يؤجر عليها ويقول الامام -عليه السلام – : (يا كميل، هلك خزَّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة).

القرابة :بمعنى أن يكون لديك صديق من أقاربك ممن لهم صلة رحم بك ويكون سندك فالنبي – صلى الله عليه وآله وسلم- وضع علياً – عليه السلام – خليلاً له وهو ابن عمه وزوج ابنته حيث وصفه قائلاً : (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) ويقول نبي الله موسى – عليه السلام – (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي).

الصداقة :من أجمل العلاقات الّتي تجمع بين شخصين لا تربطهما صلة قرابةٍ بالضّرورة، إذ تجمعهما ظروفٌ وأمورٌ مشتركةٌ، ويستمدّ كلّ منهما الود والسّكينة من الآخر وقد اهتم الإسلام بالصداقة فذكرها في القرآن بقوله : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).

انتهازي : من العلاقات المُدمرة او العلاقات المستغِلة من أكثر العلاقات تأثيرًا على نفوس البشر، فربما يؤلمك التعدي عليك جسديًا، إلا أنه من المعروف أن الألم والجرح يطول، إن كان الألم نفسيًا أكثر منه جسديًا.

ولكن في مجتمعانا يعتبر الحب شيء خاطئ ومعيب يجب اجتنابه وعلى كلاً، فبالرغم من هذا التشدد والرفض لعلاقات الحب كشيء ظاهر وعام في المجتمع الا ان الحب موجود والعلاقات موجودة في داخل هذا المجتمع بشكل سري (على الاغلب) ويكون هذا التناقض ليس فقط لان مجتمعانا متناقضة بطبيعتها بل لان الحب شيء لابد منه، فهذا جزء من طبيعة البشر وصفة من صفاته لا هروب منه.

وان حالة التناقض هذه ولدت الكثير من المشاكل، فالرفض والمنع لهذه العلاقات جعلها تحصل في السر مما يعني اضطرار المحبين للكذب ومحاولة اخفاء ماهم عليه مما يؤثر بالتاكيد بشكل سلبي على الشخص وطريقة حياته وعلى المجتمع.

لا يوجد حب من طرف واحد، فمفهوم الحب لا يحدث إلا بين طرفين، وغير ذلك فهو حالة من النقص يسعى المرء الى إشباعها، وتندرج في إطار الحب وفق إعتقاد الواهم.

في عاشوراء هذه السنة فتح احد المشائخ موضوع الحب واتضح ان المجتمع يعاني من جفاف عاطفي ، فلماذا لا يخبر الأب الام بحبه لها امام ابنائه؟
ختاماً الحب اصبح منبوذ ويتجاوز حدود العادات المتوارثه والتقاليد في مجتمعنا الا انه سيظل موجودا وأن كان منبوذاً ، فما رأيكم بالحب؟ هل هو “عيب” كما يقال؟

………….
المصادر :
شرح نهج البلاغة : ٢٠ / ٢٦٠ / ٤٦.
مسلسل يوسف الصديق الحلقة ١٥.
سورة القصص آية ٦٠.
بحار الأنوار، ج١، ص١٩٦.
نهج البلاغة الحكمة ١٤٤.
حديث المنزلة.
سورة طه من آية ٢٩ الى ٣١.
سورة الحجرات آية ١٣.
ملاحظة : ليس كل ما ذكر سلفاً يدل على رائي وفكري.


error: المحتوي محمي