هناك شريحة وُلدت بمشاكل صحية جعلتها غير سوية من ناحية التفكير والاستيعاب، وهناك شريحة اخرى ابتليت بمشاكل وصدمات سببت لها انتكاسات عقلية جعلتها اما فاقدة للعقل تماما او انها تعاني من نوبات عصبية تجعلها غير سوية في بعض الاحيان وسوية في احيان اخرى، المجتمع متفاوت في التعامل مع هذه الشريحة من اصحاب الاضطرابات النفسية، ففي حين تحتاج هذه الشريحة اكثر ما تحتاج للعطف والرأفة والمواساة فانها تلاقي من شريحة غير قليلة من المجتمع شتى اصناف السخرية والاستهزاء، الامر تجاوز ذلك الى تسجيل مقاطع فيديو لهؤلاء ونشرها على نطاق واسع على اساس انها مقاطع للظرافة والضحك، في حين ان عائلة هذا المريض تتالم ايما ألم لوضع ابنها، هكذا تبدو هذه المقاطع مثل الاسنة التي تقطع قلوب العائلة في حين لا يستطيع ان يدرك هذا المصور فداحة ما قام به والاذى والالم الذي تسبب به.
رأيت كما رأى غيري اشخاص على مستوى عالي من العلم والثقافة والحسب والنسب قد اصيبو بصدمات نفسية لم يتحملوها فاودت بعقولهم او بنسبة منها، هذه الشريحة يستغلها البعض ممن لا يملكون حدود دنيا من الضمير والادب ليجعلوها مادة للضحك في دواوينهم ورحلاتهم، يستهزؤون بهم، يضربونهم، يهينونهم، ينزلون مستويات من الوقاحة تكفي لادخال عائلة المريض في جو من الحزن والالم الكافي لتفتيت قلوبهم حين رؤيتها، في تصوري ان هؤلاء ينبغي التبليغ عليهم لمعاقبتهم باقصى عقوبة، السبب انهم جناة حقيقيون، وبشر بقلوب حيوانات مفترسة تستحق ان توضع في اقفاص حتى تبدأ عقولها في الادراك، اما قبل ذلك فلا ينبغي لهم ان يتنفسوا هواء الحرية، طرح الامر بطريقة حادة هو لان فداحة الامر وصلت لمستويات متقدمة بعدما امتلك الجميع القدرة على التصوير والنشر، فالبعض لا يملك من الكياسة ما يجعله يدرك ما يستحق النشر والارسال مما لا يستحق، بذلك فانه يعيد ارسال كل شيء ويسهم بغباءه وسذاجته في نشر ما يجلب الهم والغم والالم لغيره من حيث يقصد او لا يقصد.
يبقى الانسان في بعض المواقف اضعف من ان يحتمل صدمات هذه الدنيا الكثيرة، هكذا انسان يعيش الاما واحزانا جعلت منه غير سوي بنسبة ما، هكذا انسان يحتاج للعلاج كحال اي مريض في هذه الدنيا، كما يحتاج لمجتمع يتفهم ما به من مرض، حينما لا يدرك المجتمع ذلك فانه يسهم ولو من غير قصد في ايذاءه وزيادة ما به من مرض، وبالنتيجة يزداد حاله سوءا يوما بعد اخر، اما عائلته، فهي وحدها من تعيش الم حالته المرضية، ففي حين يتداول الناس مقاطع الفيديو لابنهم على انها نكت تستحق الضحك، فانهم يستقبلونها على انها مواد تستحق الحزن والاسى على حالة ابنهم، وهكذا الى ان يصبح البعض اكثر ادراكا لعواقب ما يصنعوه، سيبقى هذا المريض وعائلته اسرى لمجتمع لا تدرك شريحة منه عاقبة ما تفعل.