مساء لفقدك يعتصر ألمًا

لم يكن هذا المساء إلا ذاكرة ، تُبحر فيه اللحظات لذاتها ، لذاتية الألم في انقباض القلب ، لتنهكه – القلب – بضع كلمات ، رشفتها أذناي وجعًا ، حيث كانت : لدي خبر حزين ، فقد توفي الدكتور مجدي ، المدير الطبي لمجمع مستوصف جمعية مضر الخيرية العام بالقديح . إن الدكتور مجدي ، عمل طبيبًا في مستوصف مضر منذ افتتاحه ، قرابة الثلاثين عامًا ، ليكون المدير الطبي للمجمع . منذ أن كنا صغارًا ، كنا بين يديه حين تداهمنا وعكة صحية ، نشعر بدفء الأبوة ، يلاطفنا بكل حنان ، يصف لنا الدواء – لربما – هذه طبيعة أكثر الأطباء ، الذين يمارسون مهنة الطب – المهنة الإنسانية – .

ثمة شيء ، شيء نسجه ، هو ، لقربة ثلاثين عامًا أو يزيد ، كيف لهذا الإنسان القادم من جمهورية مصر العربية ، أن يكون محبًا ، عاشقًا لأهالي القديح ، كيف كنا نقرأ في عينية نرجسيته العشقية من خلال تعامله مع الآخرين – المرضى – وغيرهم من أبناء القديح والمنطقة ، حيث أن الكثير من الأجيال التي سبقتنا ، نسمع من نبرات صوتهم ، حين يكون الحديث عن المرض أو المشفى اسم ” الدكتور مجدي ” . لقد أحب الجميع ، فأحبه الجميع ، في كل مرة أثناء ذهابي مع أحد أبنائي ، طلبًا للعلاج في المستوصف ، لنقف بقربه ، يلاطفهم ويلاعبهم بدفء ، تأخذني الذكريات لذات اللقاء الأول ، سألني : هل هذا ابنك ، أجبته : نعم ، هذا ولدي حيدر . حينها رجعت الذكريات ، أتأمله في تأملها ، كم لرحيلك يا دكتور من وجع يكتنفنا .

لست هنا في كتابة مرثية موتى ، بقدر أنها الذات حين تفرغ ما بداخلها على القرطاس ، سعيًا في استشراف بعض طهر كان لنا ابستامة ، تحمل في أروقتها كل المعاني الجميلة ، الأمل . ها قد رحلت عن دنيانا ، ولكن ما تحمله ذاكرتنا لن يلامسه الرحيل ، ستظل قدوة نرشف من معينك كل ما ينتمي لسمو الأخلاق . حقًا يا دكتورنا الغالي ، هناك أناس قد لا نبصرهم إلا قليلاً في خطوات حياتنا ، لكننا نشعر أنا نبصرهم في حياتنا . لقد كنت بيننا أخًا صادقًا لكبيرنا ، وأبًا حنونًا لصغارنا .

إن من يمارس مهنة الطب ، إنسانًا يتقلد الإنسانية منهجًا وطريقًا ، يسكن في قلوب الناس ، تستأنس بوجوده بينهم ، وتحزن بكل لغات الحزن ، لفراقه عنهم . إن لك من قديحك التي أحببتها وعشقتها ، الرحمات تكلل مسافات رحيلك ، رحمك الله وأسكنك فسيح جناته ، وألهم ذويك ومحبيك الصبر والسلوان ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

همسة : كم أحببتك يا دكتور ، وسيظل هذا الحب ما حييت ، إن المساء لفقدك يعتصر ألمًا .


error: المحتوي محمي