القفص الذهبي

كثيرا ما يتم التعبير عن مرحلة الانتقال من العزوبية إلى الزواج بالقفص الذهبي ، و ذلك لما للقفص من إشارة إلى تقييد الحرية و عدم القدرة على التنقل ، و وصفه بالذهبي لبيان أن هذا القفص لا يعني أبدا مفارقة راحة البال و الهناء و ممارسة ما يحلو له مع أصدقائه إلى التعاسة و الألم النفسي ، فصحيح أن وقته و آماله و تخطيطه لم يعد أمرا خاصا به ، بل يمارسه في نطاق العلاقة الزوجية المشتركة و القائمة على تفهم ظروف الآخر و احترام شخصيته و بناء جسور الثقة و المحبة معه ، فاللون الذهبي يعني انتقالا لحالة أفضل و أجمل يجد فيها شيئا مما يفتقده ، فالجانب العاطفي و الاستقرار النفسي بالارتباط مع شريك حياة يحبه و ينجذب إليه و يعمل على إسعاده و هو ما كان ينقصه ، شريك حياة يفهمه و يتبادل معه الأفكار في إطار منسجم ، و يشبع عاطفته بكلمات رقيقة عذبة و مواقف يجد فيها المساندة.

و لكن في الواقع نرى ذلك القفص الذهبي قد تحول بعد فترة إلى سجن حقيقي و جحيم لا يطاق ، تصدح بين جنباته مشاعر غيظ و مشاحنات و صراخ ، فما الذي استجد و قلب الأوضاع إلى ما لا يتوقعه الطرفان ، من علاقة تجلب له السعادة لا أن تصبح حلبة مصارعة ، يتفنن فيها كل طرف في إيذاء الآخر و مناكفته و التنكيد عليه و تجاهل وجوده أحيانا ؟

حالة التناغم و التوافق بين الزوجين في فترة الخطوبة كانت تعتمد كثيرا على الإشباع العاطفي و تبادل المشاعر ، دون تحمل للمسئولية المشتركة ، كما أن اللقاء أو الحديث بينهما محدود بفترة قصيرة ، أما بعد الزواج فهناك تلاق دائم و مسئوليات قد يقصر أحدهما في بعضها ، كما أن حالات الانفعال و المشاعر المتأججة قد تنفجر و تخرج من قمقمها في لحظة حرجة و حوار يفقد الهدفية ، و يتحول إلى صراخ لإثبات الذات و تحقيق الانتصار الوهمي ، مشهد لانقلاب الصورة و خيبة الأمل من تحقيق الأهداف.

أولى الشكاوي من أحد الطرفين هي عدم القدرة على التفاهم أو إقامة حوار مثمر معه كالسابق ، فقبلا كان هناك قدر من الاحترام و الاستماع له ، أما اليوم فهناك توثب للهجوم عليه و الرد بعبارات نارية ، لا يلبث الجو بينهما أن يلتهب و يتحول إلى صراخ أو تجاهل له.

و ذلك الاهتمام و العناية التي يحظى بها إن رآه مشغولا بفكرة معينة إلا و يشاركه في بحثها ، و يخفف عنه وقع الحزن و الهم في لحظات التعب ، أما اليوم فيقابل كل ذلك ببرود و تجاهل و كأنه لا يراه.

التواصل الإيجابي و الحديث بهدوء و الاستماع للآخر هو أهم عوامل الخلافات الزوجية و ما يتلوها من مشاحنات و انفصال ، و تقوض أسس و دعائم التفاهم و الاستقرار الزوجي ، و هو ما ينتج تباعدا و جفافا عاطفيا و ضيقا نفسيا من الآخر ، بعد تراكم سلبي و مواقف ساخنة استشعر الآخر بأنه لا يحظى بمكانة في قلب شريك حياته ، أفلا يستحق منه إن أخطأ أن يعتذر أو يتقبل تقصيره بعين التسامح ؟!

و الروتين فيروس متسلل قاتل يجفف منابع العاطفة و المشاعر الرقيقة ، فعليهما أن يحافظا على الأجواء الجميلة و السعيدة بينهما تلافي ذلك ، من خلال تجديد مشاعرهما و تخصيص أوقات لتجاذب أطراف الحديث ، و الاستماع للآخر بما يدفع عنه الهم و يزيح عن كاهله متاعب الحياة اليومية ، فإن الضغوط النفسية الناجمة عن طبيعة الدور الأسري و الوظيفي أو الدراسي يلقي بظلاله على روحيته و مزاجيته .


error: المحتوي محمي