قيادة السيارات هي فن في حد ذاته، إذ ليس كل من يجلس وراء مقود ويسير بمركبته في الشارع يتقن فعلياً هذا الفن الراقي، الذي يُعد ثمرة تطور البشرية وتحضرها. نقول هذا، لأن طريقة قيادتك وتعاملك مع السيارة تعكس شخصيتك ونمط حياتك، وتدل على تحضرك وإحترامك للآخرين.
قد يبدو الموضوع له علاقة قوية بإنظمة المرورو بحوادث السير و أسبابها و المسؤول الأول عنها هو السائق. كما كل الأفعال والسلوكيات آداب ، حتماً لقيادة السيارة آداب محددة.
لكنني لست هنا بصدد الحديث عن موضوع ارهق الجميع دون أن يتغير، لأن التغيير يجب أن يكون في تغيير سلوك السائق قبل تلقينه قانون السيروانظمة المرور وأن يترتب عليها من عقوبات مادية وجزائية و كيفية التعامل مع البنية التحتية للبلد المتواجد فيه.
مقالتي اليوم تتحدث عن سلوك السائق و أخلاقه اثناء القيادة و كيف يكون المسبب الرئيسي في وقوع الحوادث من اصغرها إلى أكبرها. التقيد بنظام المرور هو المرآة العاكسة لسلوكيات وتحضر السائقين .
كل هذه المدارس التي سهرت و ما زالت تسهر على تعليم السياقة للبالغين فشلت فشلا تاما في الحد من حوادث السير او التخفيف منها كذلك الغرمات ووجود اجهزة السلامة وكميرات المراقبة ا لانها لم تجدي الى ما هو أهم من تثقيف السياقة و قوانينها لم تضع قوانين جزائية و غرامات مالية لكثير من السلوكيات التي تزعج المشاة قبل السائقين .
أغلب الذين يمتلكون السيارة او اي وسيلة اخرى لا ينظمون وقت خروجهم من البيت إلى العمل سواء تناولوا وجبة الإفطار أو تشاجروا مع أحد أفراد الأسرة أو لم يحدث شيء من هذا القبيل.
دعوني اصف لكم سلوك السائق العادي (الهادئ ) و ( المتهور ) هنا اقصد كل من يقود سيارته متجهاً إلى مكان آخر : (العمل، البيت، المدرسة و الجامعة إلى مدينة أخرى إلخ …) إذ لا فرق بينهما أبدا بل الأول هو نفسه الثاني بمجرد أن يده على المقود و رجله على الفرامل و بما انه خرج في آخر لحظة من بيته سيقود بسرعة مخيفة تحوله من انسان مسالم الى أكبر متوحش ومتهور في الطريق دون وعي منه لأنه لا يبصر أحدا رغم الازدحام و الضوضاء، الكل متأخر و الكل يريد ان يصل في الوقت الذي أصبح غير مناسب ابدا، للاسف الشديد بعد أن يضع نفسه في مئزق بسبب تاخره لا يكف عن استخدام المنبه طوال الطريق دون سبب يزعج به المشاة و السائقين من حوله و يخيف به المرضى و الحوامل و الحيوانات أيضا و قد يقتل إحداها دون أن يدري، يجعل من المنبه آلة عزف أو وسيلة تواصل يبعد بها الآخرون عن طريقه متناسيا أن المنبه هو ايضا من المسببات الرئيسية في الحوادث المرورية، بالنسبة اليه لا يجب أن يوقف السيارة و كأنه في حلبة السباق حيث لا قوانين تحكمه سوى نقطة الانطلاق و الوصول، يتجاوز الأول والثاني فالثالث و يسابق ألوان الإشارات الضوئية كانها غير موجودة، يسرع قبل أن يتحول لون الإشارة إلى الأحمر ثم ينظر حوله اذا ما رجل المرور عند آخر الشارع ليواصل أو يتوقف و إذا ما رأى أحدهم هناك أكمل القيادة دون احترام لحق الاسبقية او مرور الآخرين من المشاة و كأن إلزامية الوقوف رهينة بوجود المرور، واذا ما تعذر عليه الأمر سلك طريقا اخر ممنوعا دون أن يأبه لقدوم المسموح لهم اولا و إذا نبهه سائق مثله رفع يده و سبه و اهله باقبح الكلام على الملأ و كانه ليس خطأه.
ولانه فقد اعصابه لا يعير الناس و يشتم هذا و يبصق و يهين ذاك ، سيلعن الوظيفة و المدير و المسؤولين الذين لم يوسعوا الشارع و لم يرمموا الحفر و يلعن المدينة و الازدحام و قد يقود و الهاتف النقال بين يديه لأنه يجب أن يفسر سبب التأخير لمديره وغالبا ما يرى أن الآخر هو السبب وليس هو ،و هو يقود يعرقل السير يزاحم هذا و يسد الطريق على ذاك ،يلف من فوق الرصيف لأنه عاجز عن الوصول إلى نقطة الأضواء الثلاثة كي لا يلف أو يقف و إذا اضطر إلى الوقوف عند الإشارة و أمامه سيارة ازعج صاحبها وكل من حوله او معه بالمنبه و هو يسب . لما كل هذه الضوضاء و الكل وقف بنتظار الاشارة؟ هل يعترضون على الإشارة الحمراء!
و إذا ما تحولت إلى الخضراء واصل الضغط على المنبه و سب السائق الذي عانده و ابى أن يقود سيارته ليدخل معه في لعبة التحدي و ليرى ما الذي سيفعله و هل سيتمكن من تجاوزه أمام كل هذا الازدحام أم سيتعمد ويصطدم بسيارته ؟طبعاَ لن يستطيع فعل ذلك ابداً
و إنما سينزل من سيارته ليتجه غاضبا نحوه و يأمره بقلة أدب بالانطلاق، هنا لا أحد سيتدخل لحل المشكلة رغم أن الكل عالق بل سيرتفع صوت المنبه اضعافا مضاعفة لعزف اكبر سمفونية مزعجة لم تسمعها أذنك من قبل و سيصورون ما يحدث بالصوت و الصورة و منهم من يتساءل عن السبب و منهم من يبحث عن رجل المرور و كأن الأمر كله يرجع إليه و لا يعنيهم ابدا.
متى ندرك أننا نحن النظام و نحن التغيير؟إلى متى سنظل نبحث عن المسؤول لينظمنا و نحن المسؤولون كلنا مسؤولون عن انفسنا ما دمنا نحن من يقود السيارة ، نحن بالغون و قادرون على التمييز و تقدير المواقف التي نواجهها، قادرون على حل مشاكلنا ،نصرخ ، نغضب ونتوعد لمن لا يتحرك أمامنا بسرعة في حال تغيرت الإشارة الضوئية إلى الأخضر، أو في حال تجاوز أي من أمامنا دون وجهة حق، فهذا التفاعل اليومي أصبح من طقوسنا اثناء القيادة. وقلة الوعي والتحدي هي ميزة مجتمعنا ، إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه من تأثر دائم و حقد و كراهية لبعضنا.
أيها السائق إن لم تبادر بتغيير نفسك لن يبادر احد بتغييرك لأنك انت الأدرى بعيوبك و سلوكك قبل غيرك، القيادة أخلاق و سلوك، يجب أن تكون متسامحا متوكلا لا متواكلا ،خلوقا و صبورا على القوانين لأنك ان تمردت عليها فأنت اول المتضررين و اعلم أنك تتمرد على نفسك .
تعلم ألا لا تكون أنانيا و انت تقود سيارتك و تذكر أنه يجب ان تعود إلى أهلك سالما معافا و أن تصل إلى عملك بمعنويات عالية لا غاضبا أو متوتراً، صحتك النفسية أولى من وصولك، نظم وقت خروجك ،انت من يعلم او يقدر المسافة التي تفصل بين بيتك و عملك أو أي مكان تقصده، إذن فأنت من يحدد زمن خروجك و دع أولادك يتعلمون منك الأشياء الجميلة فسلوكك و أخلاقك هي التي تقيمك فاحرص على هذا جيدا.
كم يستغرق زمن الإشارة الضوئية الحمراء ؟التوقف الإجباري عندها لا يستحق كل هذا الغضب و الإزعاج و السب و الشتم وقتل ارواح بريئة ليست المسؤولة عن مشاكلك النفسية او الصحية والتاخير الذي سببه انت، عدم احترامك لنفسك و لغيرك و للقانون أيضا. و لما الإصرار على السرعة ما دمت قد تأخرت في الخروج و تعلم أنه وقت الدروة و الازدحام؟
لما الأنانية ؟ كيف ستصل و هل ستصل فعلا ؟لا أظن و ان وصلت تكون قد فقدت كل طاقتك الإيجابية و الأكيد ستعامل العاملين معك بنفس الطريقة، الصراخ و التوتر و العصبية و الانانية و عدم تحمل الآخرين و قد تصاب بأمراض مزمنة لأنك تتاخر كل يوم و في كل ثانية من قيادتك يجب ان تسب وتشتم المشاة لانهم عبروا من حيث يجب أن تمر و السائقين من حولك لأنهم احترموا قانون السير. لنحافظ على هذه الآداب وغيرها للحفاظ على إنسانيّتنا وآدابنا الّتي يفترض أن تعكس نظامنا في المجتمع !!
والسؤال الهام الذي يطرح نفسه هو كيف نستطيع الحد من مسألة التوتر العصبي اثناء قيادة السيارة؟
والاجابة هي أن أهم عامل يجب مراعاته هو التخطيط المسبق والمبكر قبل الذهاب الى المكان المقصود، مع مراعاة عامل الوقت، بحيث لا ندع أنفسنا محصورين في وقت محدد للوصول، كما ويجب علينا تفهم بعض الأخطاء من قبل الآخرين، وإقناع أنفسنا بأنه لا يوجد أحد يرغب في ارتكاب حادث بشكل متعمد ، بالإضافة إلى تعويد النفس على الصبر، ومحاولة التنفس ببطء ، والتفكير بتروي لتجنب التهور ، واتخاذ القرارات السريعة ، وعدم السماح للآخرين باستفزازنا و محاولة استيعاب أخطائهم.واحترام النظام وعبور المشاة والتقيد بالاخلاق وفن القيادة.
إن معظم ما يحدث من أخطاء أثناء حركة السير لا تستحق منا إضاعة الوقت ، ولا الضغط النفسي، ولا بذل أي جهد في سبيلها ، فكم هو جميل لو أننا حاولنا التحاور ، أو إعطاء إشارات لطيفة للآخرين كشكرهم ، أو إلقاء التحية عليهم، حتى تتولد قناعة في المجتمع بأن العصبية في القيادة لا تغير شيئاً، فالقيادة هي فن وذوق وأخلاق واحترام النظام العام.