
عُرفت مهنة الطبيب البيطري قديما، و يعود تاريخها لسنة حكم البابلين في 2100 ق.م حينها كُتب قانون دفع قيمة الاجر للطبيب البيطري الذي يزاول مهنة علاج الحيوانات . وهناك و جدت مخطوطات لدى المصريين القدماء على بردية كاهون في سنة 1900ق.م تشير لعلاج الحيوانات،، وفي عام 350 ق.م كتب الفيلسوف ابقراط (ابو الطب) عن سُبل تطوير الطب البيطري حيث قال (إن الناس اغتذوا في حال الصحة بأغذية السباع فأمرضتهم فغذوناهم بأغذية الطير فصحوا).في سنة 250 ق.م ، تم إنشاء أول مستشفى بيطري في تاريخ الطب البيطري في الهند في عهد الملك آسوكا. و بين عامي 1710م الى 1741 م اندلع وباء الطاعون البقري في أوروبا و قضى على نصف الابقار و استمر لمدة أربعين عاما. و من هنا اجتمعوا الأوربيين بقيادة فرنسا بضرورة ملحة على إنشاء كلية للطب البيطري لمكافحة هذا الوباء و نجحوا بتأسيس أول كلية بمدينة ليون عام 1760م و كلية أخرى في مدينة آلفورت عام 1765م و استطاعوا القضاء على الوباء. و أما العرب فكانوا لهم السبق في هذه المهنة فكانوا يطلقون عليه اسم (بيطار) أو (مبيطر) هو الشخص الذي يصنع حذوات الخيل.
و تعتبر المملكة العربية السعودية أول دولة خليجية تنشئ كلية للطب البيطري عام 1395 هـ بمسمى كلية الطب البيطري و الثروة الحيوانية بجامعة الملك فيصل بالأحساء وتم تعديل اسمها عام 1437هـ الى كلية الطب البيطري. و عقبتها كلية الزراعة و الطب البيطري بالقصيم عام 1407هـ والتي كانت ترجع حينها لجامعة الملك سعود.
و من أهم العلوم التي تدرس في الكلية:
طب و علاج الحيوان ، علم التغذية، علم الامراض، علم المناعة، التشخيص المعملي، علم الصيدلة، الطب الشرعي و السموم، التشريح المرضي، الامراض المعدية و المشتركة، الصحة العامة، التلقيح الصناعي و نقل الاجنة، أمراض طيور و اسماك و غيرها من العلوم .
و في عام 1422هـ شهدت جامعة الملك فيصل بالأحساء مؤخراً انطلاق أول جمعية طبية بيطرية على مستوى المملكة ومنطقة الخليج العربي وحملت مسمى (الجمعية الطبية البيطرية السعودية) وفي العام المنصرم 1437هـ تم إنشاء فرعين للجمعية أحدهم في محافظة القطيف و آخر في منطقة الرياض.
و عالميا هناك يومٌ للطبيب البيطري و المصادف (آخر يوم سبت من شهر إبريل من كل عام) حسب قرار الإتحاد العالمي للأطباء البيطريين (WVA) و منظمة صحة الحيوانية (OIE).
يلعب الطبيب البيطري دورً هامً في أساسِ حياتُنا حيثإانه مناط بعدة أدوار في تنمية و خدمة المجتمع كالحفاظ و حماية الثروة الحيوانية عن الأمراض المعدية و الوبائية التي تفتك بالماشية وكذلك تسبب خسائر اقتصادية كبيرة من حيث تراجع الإنتاج الحيواني و كذلك المنتجات المباشرة كاللحوم الحمراء و البيضاء و البيض و الألبان و مشتقاته.
أما دوره على الانسان :
1- المسؤول الأول عن صحة الانسان و غذائه، ولا توجد وجبة غذائية يوميا لا تخضع تحت إشراف للطبيب البيطري.
2- يقوم فحص الحيوانات قبل و بعد الذبح في المسالخ وذلك لحماية الانسان من انتقال الأمراض المشتركة بين الحيوان و الانسان و يتأكد من صلاحيتها من عدمه للاستهلاك الآدمي، و هو الحال نفسه على الدواجن (اللاحم و البياض) و الأسماك و الألبان.
3- دعم مجالات صحة البيئية من خلال التخلص من ملوثات البيئة سواء كانت من المبيدات الحشرية أو التخلص من الحيوانات النافقة.
4- يتدخل مباشرة بحماية البيئة من الأمراض العابرة للقارات من خلال دوره في المحاجر البيطرية و المنتشرة حول منافذ المملكة برا وبحرا و جوا.
5- الحث على الإستخدام الأمثل للأدوية البيطرية و اجتناب استعمال الأدوية التي لها ضرر مباشر من خلال متبقيات الدوائية في اللحوم و الحليب و البيض. و التي تسمى بفترة التحريم و خطرها يكمُن في متبقيات المضادات الحيوية و التي ينتج عنها بكتيريا مقاومة لهذه المضادات بل يصعب مستقبلاً مكافحة هذه البكتيريا ، وهذا حاليا ما يشغل العالم بل دق ناقوس الخطر بضرورة تكثيف الدراسات و كذلك رفع الوعي بين أفراد المجتمع بعدم الإفراط في استخدام المضادات بدون وصفة طبية، ناهيك عن الأدوية و المبيدات الأخرى و أثرها الخطير من تشوه الأجنة و الموت المحقق في حالة عدم الإلتزام بتعليمات الطبيب البيطري.
وهنا يتضح أن الطب الوقائي لا يتكامل إلا بوجود الطبيب البيطري ليساهم برفع الوضع الصحي و المشاركة الأساسية لمكافحة انتقال و انتشار العدوى الوبائية و السيطرة عليها.
و أما على مستجدات الطب البيطري و انجازاته، ما حققه في البحوث مكافحة أمراض السرطان ، وهناك انجاز طبي هائل نقلته مجلة نيتشر “nature Medicine”، حيث تمكن فريق من العلماء بجامعة كاليفورنيا الأمريكية من إجراء تجارب حيوانية ناجحة لعلاج الشلل عن طريق الخلايا الجذعية واستخدامها فى إصلاح عيوب العمود الفقري والحبل الشوكي.
وكشفت النتائج التى أجريت على الفئران أن الخلايا الجذعية ساهمت فى استعادة الأطراف لحركتها الطبيعية وتحسين وظائفها بشكل ملحوظ، وأكد الباحثون أن هذه النتائج ستساهم فى طرح علاجات جديدة للأشخاص الذين يعانون من إصابات فى العمود الفقرى، وأصيبوا على إثرها بالشلل.
و من هنا إتجه العالم الحديث إلى إطلاق مفهوم “الصحة الواحدة ” و هو يعني استراتيجية عالمية تهدف إلى توسيع آفاق التعاون بين مختلف الإختصاصات العلمية والتواصل بجميع أشكاله بين مختلف قطاعات العناية بصحة الإنسان والحيوان والبيئة، وإن الدعم المتبادل الذي تؤمنه هذه الإستراتيجية بين مختلف القطاعات سوف يعمل على تحسين مستوى العناية الصحية في القرن الحادي. علماً بأن هذا المفهوم يمتد تاريخه إلى العصور القديمة إلى زمن الطبيب اليوناني أبقراط (460 قبل الميلاد – 370 قبل الميلاد) حين أشار إلى أن العوامل البيئية يمكن أن تؤثر على صحة الإنسان.
ولتحقيق مفهوم و دعم الصحة الواحدة The One Health concept يلزمنا تطبيق بعض النقاط التي منها:
-1 التعاون بين المدارس التعليمية الطبية البشرية والبيطرية وصحة البيئة.
2 – التعاون الوثيق بين الجهات المختلفة (وزارة الصحة والزراعة والبلديات وحماية البيئة) في إقامة الندوات والمحاضرات والمعارض.
3 – بذل المجهود المشترك بين الجهات المعنية في وضع الخطط للوقاية من انتقال الأمراض والسيطرة عليها أو علاجها.
4 – إعداد الدراسات والأبحاث المشتركة بين الجهات المعنية لفهم طبيعة المسببات المرضية.
5- بذل الجهود المشتركة في تطوير وتقييم أساليب جديدة لتشخيص وإنتاج لقاحات وأدوية تمكننا من محاربة هذه المسببات المرضية.
6 – استخدام وسائل الإتصال الحديثة في توعية وتثقيف القادة والسياسيين والقطاع الخاص حيال كل ما هو جديد.
و أخيراً و إننا نعتقد بل نجزم أن الطبيب البيطري يستحق بكل جداره أن يكون هو “طبيب الحياة”
د.محمود عبدالواحد الخميس
رئيس مجلس ادارة الجمعية الطبية البيطرية السعودية بمحافظة القطيف
المصادر
1- وزارة البيئة و المياه و الزراعة
2-www.onehealthinitiative.com