أن تكون عاشقًا، متطلعًا للعشب في القمم الشماء، تستعذب المغامرة، تمارسها بلذة عاشق أضناه وآنسه لفح التيه وهجه. هكذا كان الفنان الفوتوغرافي العالمي محمد صالح الشبيب، المنحدر من مدينة القطيف بشرق المملكة العربية السعودية، والذي افتتح استوديوا، في السابعة عشرة من عمره، ببلدة أم الحمام، بجانب كونه طالبًا، ليلتحق بشركة أرامكو السعودية، بعد إنهاء مراحله الدراسية العامة. ارتبط اسم «الشبيب»، على المستوى المحلي والوطني، ليتعداه إلى العالمية في عالم التصوير الفوتوغرافي، لتعرفه الأجيال السابقة واللاحقة، فنانًا فوتوغرافيًا، متزاوجًا، مع الفن، فلا يذكر التصوير إلا ويذكر “الشبيب”. في الوجه الآخر من كينونته، تبصره متعلقًا حد الشغف طاهيًا في مطبخه، ليصيّر جمالية الفن في إعداد الأطعمة، طاهيًا له رزنامته الخاصة، وفي الانغراس في عالم الفني، واستشراف لغة الطهي في جنبات دنياه، «القطيف اليوم» تستنطق اللغة كلمات بين يديه، لتبحر بمجداف اللغة، في حوار له طابعه الخاص.
س: عرفنا على بطاقتك الشخصية والفنية؟
ج: محمد صالح آل شبيب، والاسم الفني، هو “محمد شبيب”، من مواليد عام ١٩٥٩م ، متزوج ولدي ٩ من الأولاد والبنات، ولدي ١٢ حفيدًا.
س: حدثنا عن تدرجك في المراحل الدراسية؟
ج: درست الابتدائية في بلدة أم الحمام والمتوسطة، بعدها انتقلت للقطيف لدراسة المرحلة الثانوية، والعمل في استوديو الجزيرة، الذي كان يمتلكه خالي، وعندما أصبح عمري ١٧ عاماً، افتتحت أول استوديو لي باسم “استوديو تغريد” في أم الحمام، وعمري آنذاك ١٧ سنة، كنت أذهب صباحًا للمدرسة، والعصر افتح الاستوديو، وبعدها التحقت بشركة أرامكو ودرست في ( ITC )، وانتقلت بعدها للعمل، وبما أن مجموعتنا في الدراسة كانت متميزة، كنا مخيرين باختيار أي دائرة نحب العمل بها، اخترت العمل في قسم الكمبيوتر آنذاك، ولكني لم استمر كثيرًا، وانتقلت لقسم التصوير في الشركة، ووجدت الفوارق الكبيرة، حيث التقيت بمصورين محترفين من جنسيات مختلفة، من أمريكان وإنجليز وباكستانيين، وهذا وضعني في سلم التحدي، لأن أتميز في عملي، التحقت حينها بمعهد ( New york Institute of photography )، وحصلت على دبلوم بعد سنتين من التحاقي معهم، ذهبت إلى سويسرا في مدينة شفهاوزن السويسرية، لأتخصص في استخدام الكاميرا سينار ذات الحجم الكبير ( Large format cameras )، وكان في عام ١٩٨٥م، لأعيد الكرة عام ١٩٩٣م إلى سويسرا في مدينة اليشويل، وتخصصت في تصوير الأطعمة والمنتجات وفنون الإضاءة. كنت مستمرًا في عملي مع شركة أرامكو ومتابعاً لعملي في الاستوديو حتى نهاية يوم ١٦ اكتوبر من عام ١٩٨٦م، تركت شركة أرامكو وتفرغت للعمل في الاستوديو، لأن التحدي أكبر، واحتياجات السوق كانت أفضل لي من العمل في الشركة. وفي ١٩ أبريل عام ٢٠١٧م، حصلت على الدبلوم ( مدرب المدربين في التصوير الفوتوغرافي )، من كلية كنغستون البريطانية للدراسات العليا وإدارة الأعمال، وفي نفس العام عينت ( رئيس كنغستون للمصورين المحترفين )، وأقدم دورات احترافية في مجالات التصوير الفوتوغرافي في العالم، وفي عام ٢٠١٨م تم تعييني رئيس التصوير في (شركة معهد طيف العربية العالي للتدريب )، في المملكة العربية السعودية.
س: إنشاء استوديو خاص، متى بدأت الفكرة لديك، وماهية الصعوبات التي واجهتك؟
ج: طبعًا، حين فكرت بفتح الاستوديو، استلفت مبلغًا من المال، وافتتحته، ولم تواجهني عقبات في العمل، لأني كنت أعرف كيف ألتقط الصور وكيف أحمض الأفلام والرتوش والطباعة –الرتوش، هو معالجة البشرة على النيجاتيف- .
س: هل تنصح المشتغلين بالعالم التصوير الفوتوغرافي من كلا الجنسين، خصوصًا من نقشوا بصمتهم على المستوى المحلي والعالمي، بالاستفادة من موهبتهم في اقتحام العمل التجاري؟
ج: -الحمد لله-، حاليًا، تكتظ الساحة بالكثير من المصورين المحترفين، ومن لديهم بصمات على جميع الأصعدة، وهذا ينمي الفكر والثقافة الفنية في المجتمع، وإبداعاتهم أكثرها على المستوى الفني ( Art photography & street photography as well as portrait )، ومن هنا يجب الحذر من الدخول في العمل التجاري إلا بدراسة عميقة للسوق وعدم المغامرة، لأن المحترفين في العالم، انخفضت فرصهم للعمل في عصر الديجيتال بشكل كبير.
س: ماهي المقومات، التي ينبغي توفرها، لإنشاء استوديو خاص؟
ج: أولاً: دراسة للمشروع، وهناك فرق بين أننا نحب التصوير ونبدع فيه، وبين احتياج السوق، السوق مغامرة وعلينا أن نقدم ما يحتاجه السوق وليس ما نحب.
ثانيًا: يجب على الشخص الإلمام بفنون التصوير بشكل علمي، ليقدم ما هو أفضل مما يقدمه الآخرين.
ثالثًا: الإمكانيات المادية واختيار المكان المناسب.
س: حدثنا عن تجربتك في طهي الطعام، متى كانت بدايتها، وكيف تعلمتها، لتتقنها، وعلى يد من كانت؟
ج: بدأت تعلم الطبخ عندما كنت عازبًا،حيق كنت أتابع التلفزين وأسجل المكونات وطريقة الطبخ، وأول مرة جهزت الخضار ووضعت عليها البهارات وغطيتها بالقصدير وأدخلتها الفرن ورفعت على النار، أبلغت الوالدة -الله يرحمها-، أن لا يتدخل أحد في طبختي، والمفروض أن تكون الطبخة على النار ٤٥ دقيقة، حينها خرجت من البيت ورجعت بعد نصف ساعة وكنت أشم رائحة، لأدخل بسرعة، وسألت الوالده ”ويش هالريحه” ، قالت “شوف طبختك صيخت فيها النار وحشرت البيت وما تدخلنا وما طفينا الفرن، روح كلها هههه”. أصررت بعدها أن أطبخ الأصناف الخفيفة فقط، مثل البيض والفاصوليا، وبعد مرور السنوات، كنت مسافرًا تايوان مع أخي الغالي حسن المروحن وطلب أن نطبخ ، ذهبنا إلى السوق واشترينا سمك وربيان والخضار والبهارات، وتوجهنا إلى بيت صاحبة الشركة التي نتعامل معها وعزمت هي وزوجها وأصحابهم، و”توهقنا”، لأن الربيان كان حياً. أنا كنت مساعد طباخ، بعدها تواصلنا بالقطيف وأخذنا الحل أن نضع الربيان في قدر فيه ماء ونكثر الملح من أجل أن يموت الربيان بشكل طبيعي، وكملنا الطبخ وكانت النتيجة رائعة، ومن هنا بدأت التحدي من جديد، خصوصًا دراستي لتصوير الأطعمة، علمتني الكثير وبدأت أطلع على كيفية تحضير الأطعمة وصرت أبدع فيها، وبدأت مشكلة ألا وهي كيفية تحضير الطبق، ليكون شهياً، وهذه تحتاج إلى ( Food Stylist )، و-الحمد لله-، تعلمت القليل في هذا المجال، لكني لست محترفًا فيه.
س: ما نوع أول كامرا اقتنيتها، وأول صورة التقطها؟
ج: أول كاميرا اقتنيتها لا أذكر اسمها، وهي ليست من الماركات المعروفة، لأن قيمتها في ذلك الوقت ١٢ ريالاً فقط، عندما كنت في الصف الخامس وعمري ١٢ سنة، وفي بداياتي التقطت صورة للوالد -الله يرحمه-، أمام منزلنا في أم الحمام، وكان البيت في منطقة زراعية، ويوجد جدول ماء والمعروف ( ضلع )، الذي يعني ساقية الماء وكانت الشمس عند الغروب ومنعكسة على الماء، إن هذه الصورة لها وقع في النفس، وهي التي أخذتني إلى عالم التصوير، لأن أبي توفي في اليوم الثاني ولم يكن له صورة حديثة توزع على العائلة.
س: هل تجد بأن التصوير من خلال الهاتف النقال، الذي تطور في إحداثياته التصويرية، مناسب في التقاط صورة إبداعية، وماهي مقومات ذلك؟
ج: الآلة، هي كالفرشاة في يد الفنان، وهو المبدع الذي يستفيد منها ويطوعها لتنقل أفكاره، اختلاف الكاميرات، يأتي لكسب احتياجات تقنية، تساعد المصور، لينتج أعماله بدقة عالية وبتقنيات تخدمه ولكن المعدات لا تصنع الإبداع والأهم هنا، هو الفنان وما يمتلك من قوى فنية وأفكار، بالتالي سواء استخدم الجوال أو الكاميرا فإنه يصنع الحدث، عند معرفة المصور بتقنيات التصوير، يمكنه استخدام الجوال في كثير من الأعمال.
س: عمل معارض فوتوغرافية، تحتضن صورًا، التقطت بالهاتف النقال، ألا يعد أمرًا هامشيًا في أدمغة المشتغلين بالتصوير، في حين نجد مسابقات فوتوغرافية من خلال الشبكة العنكبوتية، لذلك، لماذا محافظة القطيف، تفتقد هذه المعارض، وهكذا مسابقات فوتوغرافية؟
ج: هناك الكثير من المسابقات، نعم للتصوير بالجوال ونتائجها رائعة لأنها تصطاد أحداث سريعة لا يمكن الحصول عليها إذا لم تكن الكاميرا محمولة معنا في كل مكان، لذلك الجوال يعطي الفرصة لاصطياد الحدث بسرعة وبدون تكلف، التصوير بالجوال ليس هامشيًا أبدًا، وأنا شخصيًا التقط الكثير من الصور ولكن إذا كانت الإضاءة مساعدة وجميلة استغلها، لعدم تكسير البكسلات في الضوء الخافت، على ما أعتقد بأن بعض جمعيات التصوير بالقطيف لها دور فعال في تنشيط هذه الحركة حسب إمكانياتها، وتحتاج هذه الجمعيات الفوتوغرافية أو جماعات التصوير إلى الدعم المادي والمعنوي لكي تتصدر لهذه الحركات الفنية وتكاثرها.
س: زودنا لموقف طريف، صادفكم أثناء شروعكم في التصوير، ماهو وأين كان؟
ج: من المواقف الطريفة، التي مرت علي، كنت في زيارة لأحد الأصدقاء من القطيف، عندما كان يدرس في القاهرة عام ١٩٨٥م وطلب مني أن أصور حفلة خطوبة لأحد أصحابه المصريين وتقديم الصور هدية لهم، وذهبت معه وعملت تغطية للحفل بالكامل وأرسلت الأفلام لأحد المعامل للطباعة، وكانت الطباعة تتأخر لمدة يومين أو ثلاثة، وذهبت مع صاحبي إلى الأقصر للسياحة والتصوير، وعندما رجعنا وصلني خبر أن صاحب الاستوديو رفض تسليم الصور، وأصر ان يلتقي بالمصور أولاً، ذهبت مع صاحبي فإذا بصاحب الاستوديو، يطلب مني أن اشتغل معه، وافقته وسألته كم تعطيني راتب، وبلغته أنا راتبي ٧٠٠٠ جنيه في في الشهر وضحكت، وهو كاد يغمى عليه وضحكنا، وقال: فين ومنين يدفع لك ٧٠٠٠ جنيه، بعدها بلغته أني سعودي ولم يصدق، وعلق: “ما فيش سعوديين محترفين يعملوا شغل احترافي زي اللي أنت قدمته”، وانهينا الحديث بالضحك والفرفشة.
س: ما تقييمك للجماعات الفوتوغرافية في محافظة القطيف بشكل عام، وجماعة التصوير الضوئي بالقطيف خاصة؟
ج: جماعات التصوير بمحافظة القطيف، نشيطون ولديهم إمكانيات فنية رائعة ومترابطون مع أعضائهم ويدعمونهم، وهذا ما يجعلنا فخورين بهم، و- على سبيل المثال لا الحصر-، جماعة ألق، وضوء وظل، ومصوري القديح ومركز مصوري الخليج، قدموا أعمالاً كبيرة، تليق بالمنطقة وترفع اسمها في المحافل الدوليةً جماعة التصوير الضوئي بالقطيف بالتحديد، قدمت ولا زالت تقدم الكثير من العطاء، لبناء مجتمع ثقافي واعي، ودائمًا في الطليعة، ولكل إدارة إيجابيات تزداد يومًا بعد يوم، وهذه السنة بالخصوص زاد عطاؤهم بشكل ملحوظ يشكرون عليه. ودائمًا تحصد الجوائز الدولية من قبل أعضاء هذه المجموعات.
س: ماهي الصورة، التي التقطها، وأنت في موقف مؤلم، وآخر يبعث على الخوف والتوجس، ماهو وأين كان؟
ج: الصورة، التي أثرت بي عندما كنت في غرفة العمليات لقلب مفتوح، وأخرى لشخص ممدد وبطنه مفتوح، كنت التقط وفجأة راودني الشعور بالأسى، كيف هذا الإنسان المسكين ممدد والعمل قائم بدون أن يعرف مصيره، ولو حصل أي غلط -لا سمح الله-، سيذهب إلى الرفيق الأعلى.
س: ماهي الطبخة التي تحبها، وتشتاق لطهيها بين الفينة والأخرى؟
ج: أنا أطبخ أطباق الربيان على الطريقة الصينية بالخضار، والذرة الصغيرة، والملفوف الصغير، مع صلصة الصويا وأستمتع بها وبلذتها، وأحب العصيدة وأستمتع بطبخها وتحضيرها.
س: الكثير يرى أن تواجد الرجل في المطبخ، طاهيًا للطعام، غير مناسب، بحكم أن هذا الأمر من اختصاص النساء، كيف ترد؟
ج: تواجد الرجل في المطبخ لا يعيبه، والدليل أن أمهر الطباخين بالدرجة الأولى رجال، وهذا لا يقلل من شأن المرأة أيضًا،بالنسبة لي أنا أتلذذ بتواجدي في المطبخ، خصوصًا إذا كان لدي ضيوف، أحب أن أجهز وأشرف بنفسي، مع العلم أن زوجتي طبخها رائع جدًا، ولا تقصر.
س: ماهي الأوقات التي تكون فيها كفراشة في المطبخ؟
ج: لم افهم قصدك هل هو كفرَاشة بجناحين أم شغاله ؟، إذا كان، كفراشة، فإنه الوقت الذي انشغل فيه بالطبخ، عندما يكون لدينا ضيوف، أكون كالفراشة تطير هنا وهناك، مستمتعاً بالتحضير والتجهيز والطبخ، وإذا كان كالشغالة، فأنا لا أعرف تنظيف الصحون بل أرمي كل شي حولي، والغير يقوم بعملية التنظيف.
س: حدثنا عن شهر رمضان المبارك، ومائدة الإفطار، وموقعك من الإعراب في إعداد الطعام؟
ج: شهر رمضان هو الشهر الوحيد الذي أقضي أوقاتي فيه بالمطبخ، ولكن منذ سنوات توقفت عن الطبخ في رمضان، لأننا كلما كبرنا تقل الرغبة في الأكل الكثير، ولذلك أطباقنا قليلة، ولا تحتاج إلى وقت كثير للتحضير، وتركت التحضيرات لزوجتي.
س: ماهي الإنجازات الأبرز، التي حققتها على المستوى المحلي ووطنيًا وعالميًا؟
ج: -الحمد لله-، تعلمت وقدمت ما تعلمته لكثير من أجيالنا، وشاركت في معارض محلية ودولية وكسبت جوائز محلية ودولية أفتخر بها، وبنيت اسمي للعطاء المستمر، وأشكر الله العظيم على ما أعطاني ، لدي الكثير من المحبين على المستوى العالمي، وشعرت بهذا أثناء مرضي قبل سنين، أولادي وإخواني سألوني، كم من الناس، تعرف ورددت لا أعلم ولماذا، فأجابوني نحن لم نستطع الرد على كل المكالمات والرسائل التي تصلنا يوميًا، وهذه نعمة من رب العالمين.
س: ما هو الإنجاز، الذي تفتخر به، ولازلت تستذكره بين الفينة والأخرى؟
ج: أهم إنجاز في حياتي وأفتخر فيه عندما طلب مني تقديم دورة خاصة في مستشفى الأمل بالدمام قبل سنة، فكرت كيف أستطيع كسب المرضى، وكيف أستطيع التأثير فيهم والحمد لله، كانت أيام لا أنساها، لأنهم كانوا ينتظرون حضوري في كل موعد، وهذه نعمة أخرى من رب العالمين.
س: كلمة أخيرة لك، ماهي ولمن توجهها؟
ج: كلمتي الأخيرة لكل المصورين بأن يقدموا ما يستطيعون بدون تفاخر وعلو، وأن يترابطوا مع بعضهم البعض، وأن يبحثوا عن الإيجابيات، ليبنوا مجتمعات خالية وبعيدة عن العنصرية، وأن يتذكروا أن العمر قصير ولا يبقى إلا العمل الجميل.
أيام الشباب
مع شاعر العائلة سعيد الشبيب
بجانب الاستوديو القديم 1986م
مع المهندس حسين نديم الشبيب والمرحوم محمد حسين الشبيب
فوتوغرافي وطباخ ماهر!
خلال إحدى الدورات التي قدمها لتصوير حياة البدو
جانب من أعمال الفوتوغرافي الشبيب