العطاء الوجداني

ورد عن سلمى مولاة الإمام الباقر (ع) : و كان لا يُسمع من داره : يا سائل بورك فيك !.. و لا : يا سائل خذ هذا !.. و كان يقول : سمّوهم بأحسن أسمائهم )( كشف الغمة ج ٢ ص291 ).

النفوس الطاهرة تستشعر آلام من حولها و تعمل على بلسمتها و التخفيف منها بالقدر المستطاع ، و في مقابلها تلك النفوس المؤلهة لذاتها و تمتاز بالأنانية و تجاهل من حولها ، فليس بمستعد لبذل شيء من وقته و جهده لرفع هم أو حاجة عن مكلوم فضلا عن امتناعه عن السخاء المادي ، فهو يعيش لنفسه و كأنه مخلد لا يصيبه العطب أو الفناء ، و يتألم كثيرا لفوات شيء من حظوظ الدنيا عنه ، كما أنه يمتنع عن أداء الحقوق الشرعية في أمواله فضلا عن دفع الصدقات ، إذ يعدها خسارة و تضييعا و تبديدا لسعيه الحثيث !!

الفارق ما بين النفوس المعطاءة و الشحيحة هو التصورات التي يحملها في ذهنه لوجوده و مفهوم السعادة و علاقته بالله عز و جل ، فمن لا يعتقد باليوم الآخر حقيقة أو فعلا يصاب بالتبلد الوجداني تجاه الغير و لا يهتم لشيء إلا ما جر منفعة شخصية له ، و يرى سعادته في تحصيل أسباب القوة من مكانة علمية و مادية و وجاهتية ، إذ يشعر بدونها أو الحرمان منها أو من أحدها بأن الحياة لا طعم لها ، و لا يمكنه تحقيق ما يصبو إليه من أهداف و طموحات.

و أما علاقته بالله عز و جل فإنه يعاني من خواء روحي فلا يتفاعل مع القيم الدينية و الإنسانية ، و إلا فإن من القيم المهمة هي صناعة النفس المعطاءة التي تشع بالعطاء في جميع أنحائه ، و تحث على الاهتمام بأحوال الآخرين و العمل على التخفيف من همومهم .
مبدأ التكافل الاجتماعي و صنع مظلة الأمان و العطاء للمحتاجين ، ممن أقعدهم المرض أو فقد المعيل و عدم القدرة على توفير مستلزمات الحياة الضرورية بالحد الأدنى ، فيهب أصحاب القلوب البيضاء لمساندتهم و تخفيف ألم العوز و الحاجة عنهم ، فيستشعرون السعادة بتقديم المساعدات دون تأفف أو ضجر من السائل المحتاج ، فإن توفيقا إلهيا كبيرا في الدارين يعطيه رب العالمين لمن كان عونا و نصيرا للمحتاجين ، يهتم لشئونهم و يعمل جاهدا لتخفيف معاناتهم ، فالحرمان و العوز له آثاره السلبية الخطيرة على المحتاج و المجتمع ، إذ سيكون ذاك المحتاج المهمل و المنسي من العطاء صاحب قلب حاقد على المجتمع ، و الذي يرى الناس من حوله يتمتعون بأبسط المتطلبات للحياة الكريمة ، و قد يلجأ بعضهم لتوفير مستلزماته عن طريق مد يده إلى الحرام و السرقة مما يهدد السلم و الاستقرار المجتمعي.

و لا يقتصر العطاء على الجانب المالي فقط و الذي قد لا يكون متوفرا عند البعض ، فكل فرد يصرف من وقته و جهده متعاضدا مع إخوانه لتكوين اللجان المساعدة هو من المساهمين في العون و العطاء.

و الأهم من ذلك هو العطاء الوجداني و الذي هو في متناول الجميع ، و له أثر كبير في تطييب نفس المحتاج و رفع همه ، فالكلمة الرقيقة و المعاملة الحسنة للمحتاج تحافظ على ماء وجهه و تعففه ، فإنه من الناحية النفسية تنتاب المحتاج مشاعر الخجل و الحياء من مد يده ، فلولا عجزه عن العمل الذي يجعله محتاجا لمساعدة الغير لما سأل أحدا ، و لذا فإن إظهار الحب و الارتياح النفسي له و عدم زجره أو مضايقته بكلمة أو المن عليه بالعطاء ، يحفظ له كرامته و عزة نفسه و يهون عليه ألم الحاجة.


error: المحتوي محمي