أين نحن؟!!

كثيرون هم الذين يجيدون الحديث عن مساوئ غيرهم، يمتلكون في الغالب مواهب متميزة في السخرية وانتقاص الاخرين والاجتهاد في البحث عن تفسيرات وتأويلات سلبية لادانة تصرفات الناس واظهارهم باسوء شكل واوضع مستوى، في المقابل تكاد تكون الندرة كمصطلح غير كافية لتصف اولئك الوادعين الذين يبحثون دائما عن تأويلات خيّرة لتصرفات الناس التي تبعث على الريبة بنسبة ما، المبرر لتناول هذا الامر في مقال هو ان الناس -في الغالب- يحسنون تحديد ما ينبغي على كل الناس القيام به، بينما هم غالبا لا يحسنون حتى القيام بمهامهم الاساسية، هذا يعني ان كل شخص لو اهتم بتهذيب نفسه والارتقاء بمداركه لاوشك ان يكون ملاكا، في حين يبدو انشغاله بغيره هو ما يجعله يوما بعد اخر اكثر جهلا بالسلبيات والنواقص الهائلة التي تملء شخصه، حينذاك سيبدو ابو الاسود الدؤلي اكثر دقة في وصفه في بيته القائل:
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله … عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
الصامتون هم اكثر من ينبغي الخوف والحذر منهم، فلربما امتلكوا من الحكمة ما يجعل تقييمهم لاي حديث عابر هو انه مجموعة من الهذر الفارغ الاقرب الى المهاترات منه الى الكلام الناضج، اليوم تبدو صفة الصمت نادرة، فالاغلب يملكون منابر اعلامية يتحدثون من خلالها او ينقلون ما يعتبرونها معلومات تستحق ان تُقرأ، هناك فيسبوك، تويتر، واتساب وسناب وغيرها، وكل هذه الوسائل تمنح المراقب قدرة جيدة على فهم المتحدث او المرسل، السؤال هنا ماذا يمكن في الغالب ان يُقرأ في تلك القروبات، ماذا يمكن ان يتحدث به الناس في دواوينهم ومنتدياتهم ودوائرهم الضيقة؟!، في تصوري -كمتشائم- ان معظم ما يكتب او ينقل او يتحدث عنه في الديوانيات هي امور لا ابالغ اذا وصفتها بالفارغة، الف رسالة في كل صباح تقول صباح الخير وصباح الورد وخميس مبارك، والف رسالة سخرية من قصير او طويل او سمين او نحيف، واذا احتدم نقاش فالغلبة عادة ستكون للاكثر قدرة على ادانة الاخرين واستحقارهم والحط من اقدارهم، ألهذه الدرجة اصبح من النادر ان تجد نسبة يعتد بها ممن يملكون حصيلة اخلاقية وذوقية تجعلهم يترفعون عن توافه الامور وادراك ما يستحق وما لا يستحق ان يقال ويرسل؟! الهذه الدرجة من النادر ان تجد نسبة تبحث عن محامل حسنة لتصرفات الاخرين بعيدا عن التفنن في الاساءة والبحث عن التاويلات السيئة؟!.
المعلم، الاب، الاعلام وغيرهم من اوجه التربية فشلوا كما اظن في بناء مجتمع عربي يملك درجة معقولة من الوعي، ولا غرابة في ذلك، فالربع صفحة التي يقرأها العربي سنويا حسب ذمة اليونسكو مقابل احد عشر كتابا للامريكي وتسعة للبريطاني سبب وجيه لالف رسالة عصفور وشجرة ونخلة كل صباح، وسبب وجيه لانشغال الناس بسلبيات الاخرين على حساب سلبياتهم الكثيرة، ولو امتلك الانسان نفس القدرة والموهبة في ادانة الاخرين واهانتهم ولكن باتجاه نفسه، لرأينا مجتمعا تزينه الاخلاق  بشكل يجعلنا اكثر فخرا به، اما وان ذلك يبدو بعيد المنال، فسنبقى دائما نسمع ونقرأ ما يجعلنا متاكدين من قدرنا البعيد عما ينبغي ان يكون عليه بين الامم،،


error: المحتوي محمي