الحايك ونزار يطيران بحلم المانجا إلى كربلاء

بين أروقة الحياة الكادحة، وحكايات شمس صبغت ملامحها القاسية على تجاعيد عمر انفنى في البحث عن لقمة عيش، وأمنيات صغار ترى في يد أبيها خزائن عطاء، ولكنها قساوة العيش المضنية زهدت حتى أن تقدم له فرحة خالية، بلا دمعات وبلا دفع ثمن، وما أن وضع رأسه على وسادته إلا وراوده حلم جميل بأنه حصل على ثمرة (مانجا) واحدة يراها مقدمة على موائد الأثرياء ويا له من طيف جميل داعب جفنيه وما أن فتحهما إلا وتجسد له وجع طويل، فليست للغات الحرمان ترجمة سوى الشقاء وأبجديات صبر مرير.

يأخذك فيلم قصير حاكياً حلماً لفقير يعيش بيننا، يبتسم لك رغم الجراح، يغازل رزقه بكلمات طيبات علك تشتريه، ويبقى هو حسيراً كسيراً، ستراه هنا وتراه هناك وتتصفح ألمه بين الوجوه، فكل وجوده إنسان أحب أن يكون، فكان وجوده رؤى وألماً وبعض الدموع و”مانجا” حلم.

ويستوقفك كاتب النص في زاوية ليحكي لك عباس الحايك تفاصيل أحداث واقعية رآها على مسرح الحياة ليخبرك:” لا توجد رسالة وعظية في الفيلم، وإنما مقولة فهنا أقول مهما كانت أحلام البسطاء فلابد من أن نقدرها، ربما تكون بسيطة بالنسبة لنا وربما تكون سخيفة ولا تستحق، لكنها كبيرة لمن لا يستطيع الوصول إليها، “مانجا” فيلم يتناول موضوع أحلام الصغار البسطاء، وكيف يجهد آباؤهم لتحقيقيها وزرع ابتسامة على وجوههم”.

وعن رمزية “المانجا ” يقول الحايك:” المانجا هي الفاكهة التي قد لا يستطيع الفقراء شراءها، كان الفيلم عن أمنية طفلة في الحصول على المانجا، فيجهد والدها في العمل لتوفير ثمن صندوق مانجو، يواجه الصعوبات، فقط ليرى ابتسامة تعلو ملامح طفليه”.

وشارك في تمثيل الفيلم: عبدالله المغاسلة، مريام أبو خمسين، لبنى أبو خمسين، عبير يوسف، نور البريكي، سلمى المحسن، إسحاق صفوان، والوجهان الجديدان السيد رضا نزار آل السيد ناصر، وريتاج العقيلي، ورؤية إخراجية للسيد نزار آل سيد ناصر.

ويتحدث المخرج عن رؤياه التي عاشت في حياة صاحب الحلم ليوصلنا إلى كواليس الفيلم قائلاً: اعتمدت في الفيلم على أن المشاهد تكون وسط الناس، سترون أشخاصاً كثيرين، ولكن ليس لهم ذكر كاسم أو ممثل، لأننا كنا في وسط المحيط الذي كنا نعمل به، وكنا بتناغم مع المواضيع التي حولنا، لنخرج بمشهد يمثل هويتنا ومجتمعنا”.

واستغرق تصوير الفيلم مدة شهر كامل وعدة أيام في جزيرة تاروت، وكان التصوير بين السوق والشوارع، وبيت الصفيح والمدارس، كان المخرج يحاول أن يزرع المشهد في المكان الذي يناسبه، فيلم يتقيد بمكان واحد فقط، كانت الخيارات مفتوحة، وذلك يعود لقدرة كاتب النص على خلق هذه الأجواء، كما أوعز آل سيد ناصر.

وأظهر الحايك ثقته في الرؤية الإخراجية للمخرج قائلاً: “تقريباً وبنسبة كبيرة حققت الرؤية الإخراجية طموحاتي، أولاً لأن ثمة تفاهم مسبق مع السيد نزار كمخرج، عدا عن صداقتنا الطويلة ومعرفتنا ببعضنا البعض، كان هناك ورشة بيننا قبل البدء بالتنفيذ، وهناك تواصل يومي أثناء التصوير بيننا، لمعرفة ما أنجز، كنت معه في اقتراح الممثلين، ومعه أيضا بعد مونتاج الفيلم، أعرف السيد نزار جيداً وأعرف أنه سيقدم فيلماً جيدا،ً رغم أنه الفيلم الروائي القصير له”.

ويتذكر آل سيد ناصر ردود فعل المارة والناس أثناء تصوير المشاهد: ” الناس كانت متفاعلة معنا كثيراً وكانو يشعرون بقربنا منهم، أتذكر في يوم كنا نصور وبطل الفيلم كان يسير بعربة بها بقدونس وكزبرة وخيار وموز وبرتقال، استوقفته امرأة تسأله عن سعر البقدونس، وكانت تريد أن تشتري منه، الناس في مجتمعنا أناس بسيطة تحب الفن وتتفاعل مع أي حدث يكون في محيطها، طبعا ًهذا موقف من مواقف كثيرة كان الناس يتعايشون معنا فيها، مثل أثناء تحطم العربه كان الناس في المنطقة يسألوننا كيف تحطمت ولماذا حطمتوها وهل ستعيدونها؟ التعايش والتفاعل كان جميلاً بين طاقم التمثيل والناس”.

وقال المخرج مضيفاً:” المجتمع القطيفي مجتمع فنان بطبعه، ويعشق الفن، وتواجد الكاميرا في محيطه شي طبيعي فهو معتاد على وجود الكاميرا من أزمنة بعيده جدا، المجتمع القطيفي مجتمع مثقف و متقدم في ثقافته و في ذائقته الفنية ولا أخصص في مجال معين بل على صعيد كل المجالات الفنيه”

ويعلل سبب إعادة مشهد أكثر من مرة:” في صناعة الأفلام بشكل عام تواجهنا الإعادة بشكل كبير، ولكن أتذكر المشهد الذي اجتمعت فيه الأم والأب والبنت والابن، هذا المشهد ربما كان الأكثر إعادة، لأنني كنت أبحث عن مشاعر معينة وأحاسيس تعطيني الحميمية، والحب والتلقائية بين العائلة وجميع أفرادها، هذا المشهد لي فيه ذكريات جميلة وكان تحدياً بالنسبة لنا بأن ننفذه بهذه الطريقه، الإعادة كانت بحثاً عن الأفضل كما ذكرت، بحثاً عن الأحاسيس والمشاعر التي تناسب هذا المشهد”.

وأوضح كاتب النص الذي مارس النقد خلال كتابته للفيلم:” نعم، أحاول أن أمارس النقد حتى على نصوصي، أكتبها مرة، أراجعها بحس نقدي، أوزع النص على أصدقاء ليقرأوه ويغذوني بملاحظاتهم وآرائهم النقدية، قبل أن أنشرها أو أسلمها لمخرج لينفذها، الحس النقدي موجود ويرافق كتاباتي، ولا أدري إذا كان الحس النقدي هو صاحب الغلبة أم لا، لكنني أمارس الكتابة وهي أكثر ما أهتم به”.

وسوف يعرض فيلم المانجا في مدينة كربلاء في الأول من أبريل الشهر القادم، ضمن مهرجان النهج السينمائي، وعن هذه التجربة قال المخرج: “الفيلم شارك داخل الوطن وخارجه، ولكن كما تعرفون نحن في المملكة الخيارات محدودة بالنسبة للمسابقات، نتمنى أن تكون مسابقات أكثر في الوطن، لإتاحة الفرصة لنا للمشاركة في وطننا”.

وأضاف:”أما بالنسبة للمشاركات خارج المملكة فلأن الخيارات أكثر، ولكن هذا لا يمنع بأن نتواجد في مسابقات وطننا الغالي، الفيلم شارك في عدد من المسابقات في مصر والسودان والسعودية ودبي وفلسطين والعراق وباريس، وإن شاء الله سنشارك به في مسابقة أفلام الدمام لهذا العام أيضا”.

وبين الحايك سعادته بعرض الفيلم خارج حدود الوطن قائلاً:” من دواعي سرور الكاتب والمخرج أن يتعدى منجزه خارج حدود وطنه، فأن يعرض الفيلم في مهرجانات خارج الوطن هو فرصة ليشاهد الآخرون أعمالنا، وفرصة أخرى للمخرج أن يتلاقى مع أصحاب تجارب بالتأكيد سترفد هذه اللقاءات تجربته اللاحقة، وبما أن السينما هي لغة الشعوب الجديدة، فإن فيلمنا هو مفردة من هذه اللغة الجديدة، يمكن أن يعرف الناس عن وعي مجتمعنا، عن عاداتنا وتقاليدنا، دون أن نحكي لهم”.


error: المحتوي محمي