الخلود الحزين

مكتوبٌ على القديح أن تعيش الحزن مدى الرضا ، ومقدرٌ عليها أن تتقبل المصائب على رحاب التسليم ، فلا تمضي الأيام إلّا وتناولها كفٌ الزمان فاجعة تلو أخرى ، تتنافس وجعاً ، وتتسابق ألماً وحسرة ، وكأن القديح أصبحت بحيرةً من دموع ، وشجواً من أنين .

ولا ندري أي جراح ننتظر ، وأي الفراق نتوقع ، فهي تتلوا بعضها ، لدرجة أننا أصبحنا نقف على قارعة الفجاءة ، حيث الوقت لا يكاد يمر دون أن نسمع صدى الإسترجاع يتردد من أفواه الفافدين ، وعزاء المكلومين .

وها نحن على مسافة الإنتظار ، وسكة القادمين ، لتتناولهم أيادينا المرتجفة ، وتعانقهم قلوبنا المألومة ، لتزفهم حيث الرحيل الابدي ، والذكر المخلد .

هانحن بانتظار فخر القديح ، الذي أتخم النفوس عزة وشهامة ، وأمدها جوداً وكرماً ، فأحبته شغفاً وهياما ، وقد جعل من كل قديحي رمزاً يشار له باسمه ، وبأنه من ديرة الشهاب ( شهاب ).

يا أبا حسن . نحن على يقين أنه سيكون عرساً قديحياً بامتياز ، كما هو حال القديحيين حين يبدعون في المناسبات على اختلافها ، فتظل منقوشة على جدر الأزمنة ، ومرسومة على سعفات النخيل ، مطاولةً المجد من أبوابه الواسعة ، فعلى غير العادة دوماً ينتفض أهل القديح ليشكلوا لحمة الوفاء ، ومنظومة الشهامة والنخوة ، وهم اليوم يستعدون لاستقبال الغائب العائد ، والذي ارتاح من عناء الترحال ، ليحط في محطته الأخيرة ، فوق تراب قديحه الأبية ثم في رحمها يعود كما خرج منه بداية رحلته الحياتية التي ختمها بأبجدية الرضا ، ودعاء التسليم بالقدر والقضا ، فاهلاً بك يا أبا حسن عائداً بعد سفرٍ طويل ، وإلى سفرٍ جميل بإذن الله حين تلتحق بالصالحين الذين على شاكلتك ، ممن خلدهم عملهم ، وأبقتهم مواقفهم وأفعالهم ، أحياءاً في الدنيا ، وعند ربهم إن شاء الله يرزقون . فأنت خالد يا أبا حسن بيننا بلا ريب ، وإن كان خلوداً حزينا ، وإنا لفراقك يا شهاب لمحزونون .


error: المحتوي محمي