ولدا في قرية تتفجر بالعيون، ورغم صغر مساحتها إلا إن أزقتها شهدت نمير المياه، وأصوات الحياة، وخطوات النساء اللاتي حملن على رؤوسهن قدور الغذاء، وفي أيديهن سلال لغسل الملابس، وقبضن بشدة على المديد والحصر، في مشهد يومي جسد عظمة المرأة القروية التي تترك الأطفال في المنزل، وتقفل الباب عليهم، وعلى قلبها وتمضي لتغمر في الماء غذاءها وملبسها وزينتها.
راقبت عيونهما الصغيرة مسيرات النساء إلى عين السدرة في قلب القديح، بجوار منزلهما واندهشت كون كل العيون تزورها النساء صباحاً منذ صياح الديك، فهناك السدرة وغرة، عيون الغالب عليها نعومة المياه وهدوئها، مما جعل النسوة يملأنها قصصاً وحكايات، وبعض الشكاوى والكثير الكثير من الدموع والضحكات.
اختزنت تلك الصور في ذاكرتهما، وكانت لسواعدهما ترجمة في لغة الخشب، إذ نحتا من الماء خطوة حب ومعاناة، رامزين لتلك السيدات بمجسمات قوة ونعومة قصد، تميزت بالتجريدية حفاظاً على المرأة من أن تخدش التفاصيل صونها، وليبتعدا عن تجسيد ذوات الأرواح بشكل واقعي فهما نشأ وفي أذنيهما نداء.. “يا عيال مضر”.
وعرض الأخوان السيدان حيدر ورضا العلوي 4 منحوتات لمعرض”خطوات إلى الماء” الذي يعيد مسيرة السبعينات ويحوي معرضاً للمصورة الأمريكية دورثي ميلر في توثيقها لحياة النساء والعيون والذي يقام في نادي الصفا بصفوى ولمدة 5 أيام مخصصة للرجال فقط في محطته الأولى.
وقدم السيد حيدر العلوي منحوتتين من خشب السدر ورسالته كما هدفية المعرض تتمثل بعمل رمزي تجريدي للمرأة وهي تمشي للماء في القطيف قديماً والشكل الرمزي سهل التنفيذ على خامة صلبة مقارنة بالواقعي الذي يحتاج لوقت أطول ودقة أكبر كما ذكر النحات.
وخلد السيد رضا مشهداً قد علق في ذاكرة أجيال معبراً عن رسالة مشاركته بالمعرض قائلاً:”بسبب اختفاء هذه العادة فقد استوقفت هذا المشهد ليراه من لم يعايشه وأنا فخور جداً اني خلدت شيء من تراث أهلي وأجدادي”
وكانت إحدى المنحوتتين على هيئة امرأة تحمل (تنكة الماء) وهو دور المرأة في الماضي في السقايه اطلق عليها اسم (الراويه) والثانية اسماها سيدة الماء وهي تحمل (القفه) وفيها بعض أواني الطبخ مستخدماً خشباً من شجر محلي ومستغرقاً أكثر من أربعة أشهر في نحتهما.
وقد وصف العلوي علاقة المنحوتات بالخطوات قائلاً؛” هي محاكاة للصورة وتجسيدها بشكل ثلاثي الأبعاد ليستطيع الزائر أن يلامس تاريخه ليس فقط بقلبه ولكن حتى بأنامله”.