
العلّامتان الفضلي والعمران نموذجًا العلم والمحبة
هناك علاقة صداقة ومودة حميمة بين بيوتات العلماء في القطيف وعائلة العلامة الفضلي تمتدّ جذورها إلى علاقة والد الشيخ عبد الهادي – الميرزا الشيخ محسن الفضلي بعلماء القطيف:
– الشيخ فرج العمران
– الشيخ الميرزا حسين البريكي
– الشيخ منصور البيات
– الشيخ محمد تقي المعتوق التاروتي.
وغيرهم من علماء القطيف، رحمهم الله.
وقد صرح الشيخ عبد الهادي الفضلي نفسه، عليه الرحمة، بذلك في حوار الأستاذ حسين منصور الشيخ معه، في كتابه (الدكتور عبدالهادي الفضلي تأريخ ووثائق)، ص١٦٢، ط1، ١٤٣٠-٢٠٠٩م.
وسيكون الحديث في هذه الخاطرة عن علاقة العلم والمودة بين بيتي الفضلي والعمران، فقد بيّن الشيخ الفضلي، عليه الرحمة، تلكم العلاقة القوية بين العائلتين العلميتين في سياق حديثه عن تبادل العلماء للزيارات العلمية لأبيه الفقيه الميرزا محسن، رحمه الله، عندما كان في البصرة من كلّ المناطق، ومنها الأحساء والقطيف، في كتابه القيّم (هكذا قرأتهم)، ج١، ص٢٢٠، فقال:
“… الشيخ فرج العمران القطيفي، قادمًا من العتبات المقدسة في العراق وإيران، في طريقه إلى القطيف.
وهو من علماء القطيف وأدبائها المرموقين، وله مؤلفات كثيرة، منها:
– موسوعته (الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية).
– و(الروضة الندية).
– و(ثمرات الإرشاد) وغيرها.
وأشار إلى إحدى زياراته -للميرزا الفضلي- في كتابه (الأزهار الأرجية، ج5/ ١٧١) بقوله:
“في يوم الخميس الثاني والعشرين من الشهر المؤرخ (شهر شوال من سنة ١٣٧٣هـ) توجهنا إلى زيارة العلّامة الشيخ ميرزا محسن الأحسائي في منزله العامر في جسر العبيد، أنا والشيخ حسين عبد المهدي.
وفي أثناء توجهنا إليه استقبلنا السيد النجيب السيد حامد بن العلّامة السيد أحمد بن السيد محمد بن السيد أحمد السويج، فأدخلنا محله في المسجد الجامع، فشربنا عنده القهوة، ثمّ قدّمَ لنا السيارة وحضر معنا إلى منزل الميرزا محسن، فبقينا عنده إلى العصر، وتناولنا الطعامَ عنده وقتَ الظهرِ، ومعنا السيد حامد، شكر الله سعيه.
وقدّمتُ للميرزا نسخة من (ثمرات الإرشاد).
ولمّا صار العصرُ قدّم لنا الميرزا سيارةً، وأتينا إلى منزلِنا في العشّار”.
وقد امتدت العلاقة بالقوة نفسها بين الأبناء: العلامة الشيخ عبدالهادي الفضلي (ره)، والحجة العلامة الشيخ حسين العمران، حفظه الله، فلم تنقطع أبدًا، رغم تباعد محل سكنى الشيخين، والظروف المتغيرة في تلكم السنوات.
وقد شاهدتُ العلّامة الحجة الشيخ حسين، دام مؤيّدًا، زائرًا صديقه العلامة الفضلي في مجلسه بحي المباركية بالدمام، رغم ظروفه وارتباطاته، حيث بيت العلامة الفضلي زائرًا ومتفقدًا، فما إن يصل العلامة العمران المجلس ويطلّ بوقاره ويسلم على الجميع إلّا وترى العلامة الفضلي يهرع لاستقباله من الباب مُحيّيًا مُرحبًا بمقدم رفيق دربه في النجف الأشرف،
يُجلسه بجانبه يقبل عليه بكلّه تقديرًا لزيارته ومُبَيِّنًا لمقامه العلمي المتقدم، فتتغير ملامح المجلس وتتوقف أسئلة الجميع لا إراديًا، الكلّ يحدّق بنظره ويصغي بسمعه للأحاديث الأخوية والعلمية بين الشيخين وأحاديثهما عن ذكريات النجف الأشرف وعلمائها الماضين.
حضرتُ تلكم الزيارة بعد إصابة العلامة الفضلي بالجلطة الأولى – حسبما تسعفني ذاكرتي، فبعد الأحاديث الأخوية والعلمية بين العلمين في المجلس التي تستغرق خمسًا وعشرين دقيقة كحدٍّ أقصى، يستعدّ العلامة العمران لوداع صديقه الشيخ الفضلي، وحينها يرفض العلامة العمران بإصرار أن يقوم الشيخ الفضلي لتوديعه إلى خارج باب المجلس ولكن دون جدوى.. فيقول العلامة العمران ممازحًا: لا بأس بتوديعي إذا كان ذلك برهانًا لي على تماثلكم للشفاء.
وأحبّ أن أذكر في سياق تلكم العلاقة الأخوية بين الشيخين أنّ كلًّا منهما ينتهز الفرصة المناسب ليشهد للآخر بالفضيلة العلمية … فالشيخ الفضلي في كتابه القيّم (هكذا قرأتهم: شخصيات علمية وأدبية من القرن الخامس حتى القرن الخامس عشر الهجري، ج١/ 295) وفي أثناء حديثه عن سيرة أبيه الفقيه الشيخ ميرزا محسن الفضلي، يدرج صورة فوتوغرافية تجمع أبيه الميرزا الفضلي والعلامة الشيخ حسين العمران، حفظه الله، والسيد صالح آل انصيف، عليه الرحمة، مُعلقًا على الصورة قائلًا:
*”الفقيد معه الشيخ حسين العمران من علماء القطيف، والمجازين (بالاجتهادِ) والروايةِ من قبل الفقيد (الميرزا الفضلي) (قدّس سرّه) في جمع من الطلبة”.*
وشاهدتُ المشهد ذاته يتكرر عندما زار العلامة الفضلي الشيخ حسين العمران في بيته بالقطيف في حي الحسين، حيث الاستقبال الحارّ والترحيب الأخوي بالعلامة الفضلي وإجلاسه صدر المجلس، حتى إنّ بعض الحاضرين سأل العلامة العمران مسألة فقهية فأجابه عنها، ولكن بعد خروج الشيخ الفضلي وتوديعه وتشييعه إلى خارج المجلس رجع العلامة العمران المجلس، فلما استقرّ المجلس، توجه إلى السائل معاتبًا، وكان المجلس غاصًّا بالحضور كالعادة، قائلًا:
“كيف تسألني، وفي المجلس عالم من العلماء، حريٌّ بك أن تسأله؟”
كلّ هذا لبيان مكانة العلامة الفضلي العلمية.
رغم كلّ المشاغل والارتباطات والظروف المحيطة لم يقطع العلامة العمران زيارته وتفقده ومواساته للعلامة الفضلي فتجده زائرًا له، مواسيًا له في الأحزان، وهذا ما رآه الجميع حين مجيء العلامة العمران في فاتحة زوج الشيخ الفضلي السيدة فاطمة البطاط، عليها الرحمة، التي أقيمت بحسينية الرضا بسيهات، وقد بدا العلّامة الفضلي متأثرًا جدًّا بفقد شريكة حياته العلمية الحافلة بالتاريخ والمواقف الكبيرة، وكيف أخذ العلامة العمران مواسيًا له مُقْبِلًا عليه يربت على كتفيه.
وبعد المرض الأخير للعلامة الفضلي إثر الجلطة الدماغية الثالثة، حيث أصبح طريح الفراش ورفض أن يستقبل أحدًا لئلا يشقّ على الناس كما أخبرنا أبناؤه، لم يكفَّ العلامة العمران عن السؤال الدائم عن أخيه العلامة الفضلي وأوصى ابنه الأستاذ جواد الفضلي أن يوصل له أخبار والده ويطمئنه عليه أولًا بأول.
وبعد انتقال شيخنا الفضلي إلى الرفيق الأعلى، شوهد العلامة العمران حاضرًا مجالس الفاتحة المقامة في الدمام مواسيًا بأُبوته أولاد الشيخ وعائلة الفضلي.
*هكذا تكون أخوة العلماء وإن اختلفوا في طريقة العمل وتشخيص الموضوعات.*
حفظ الله العلامة العمران وأمدّ في عمره المبارك، ورحم شيخنا الفضلي، وحشره مع المعصومين عليهم السلام.