أي مقام عظيم هذا الذي بلغته سيدة نساء العالمين ، إذ غدت في وجودها الرسالي و التبليغي و الفيض النوراني شرطا لإتمام الغرض الإلهي في إيجاد خط الهداية و الرشاد المتواصل بلا انقطاع ، فكانت (ع) الخط المتصل بين النبوة و الإمامة إتماما للحجة الإلهية البالغة على العباد ، و الأخذ بأيديهم في طريق تهذيب النفس و تربيتها في مسيرها التكاملي ، من خلال نهج المعصومين و ما نضحت به سيرتهم العطرة من مفردات قيمية و مكارم أخلاقية تسعد الفرد و المجتمع ، و هذا التكامل البنيوي و الوظيفي بين المعصومين في أداء الرسالة الإلهية ، هو ما يفصح عن ذاك السر الفاطمي الذي جعل وجودها شرطا لا غنى عنه .
و إذا ألقينا نظرة على الدور التبليغي لرسول الله (ص) و من بعده أمير المؤمنين ، و الذي شكل بعد التوعية و المعرفة و تهذيب النفوس و رفع غشاوة الجهل و عمى البصيرة عن القيم الأخلاقية ، و هذا الدور المهم ساهمت الزهراء (ع) مع أبيها و ابن عمها فيه من خلال تثقيف النساء بمعالم دينهن و معرفة الأحكام الشرعية و اطلاعهن على مضامين الآيات القرآنية ، فكان دورها مكملا لما يقوم به الرسول في تنوير البصائر و إشادة معالم الخلق الرفيع في المجتمع ، دون إغفال الوجود المتمم للمرأة المؤمنة .
كما أن الغاية من وجود الإنسان هو التكامل و الترقي في درجات سمو النفس و تحليها بالفضائل و ترفعها عن الرذائل ، و هذا ما يستدعي وجود نهج تربوي يسلكه المرء و يسير على مقتداه لتتجسد فيه كمالات النفس ، و أفضل نهج هو القدوة الحسنة التي يتأسى بها و يرى بعين بصيرته سيرة هؤلاء العظماء و اتصالهم بالخالق و تقربهم إليه ، و أنصع سيرة هي حياة أفضل الخلق رسول الله (ص) حيث دنا فتدلى ، و تمام و استرسال خط النبوة كان بخط الإمامة المتمثلة بأمير المؤمنين (ع) ، و الحلقة الواصلة بين الخطين هي الزهراء حيث كان من نسلها الأئمة الأطهار ، فتشكلت نفحات حياتهم الطاهرة تكاملا للمنهج التهذيبي للنفس ، و لولا هذه الرابطة التي تمثلها الزهراء لانفرط عقد نهج الهداية و الرشاد و ما استقام أمرهما ، فدورها التكميلي سر الوجود و الخلقة .
و إطلالة سريعة على نهج الزهراء العبادي و طول وقوفها بين يدي خالقها ، و لهج لسانها بذكر الله تعالى و تلاوة كتابه ، تعطي نتيجة مهمة و هي تطابق سيرتها العبادية مع أبيها و بعلها ، فمن وضع نصب عينيه خشيتهم من الله و تقواهم رزق نصيبا من الورع و فهم المضامين العبادية و أسرارها .
و نهجها الأخلاقي يحمل في طياته كل معاني الحياء و العفة و السماحة و العطاء بكل أبعاده ، فكانت في ما تقدمه من قيم و فيض تزكية النفس امتداد لمكارم الأخلاق التي خطها أبوها و جسدها أمير المؤمنين .
و حياتها الأسرية في أبعادها الثلاثة ، و هي : البنوة و الزوجية و الأمومة تعد مدرسة يستقي منها الأجيال و يستلهمون العبر و الآداب التي قدمتها ، فمفهوم الحياة السعيدة و المستقرة سنجدها في زهد الزهراء و صبرها على الفقر و مشاق الحياة و تدبيرها لمعيشة الكفاف ، و لولا الزهراء لما أبصرت عيوننا أركان البيت النوراني المحمدي – العلوي – الفاطمي الذي شيدت معالمه الراسية في أرض الفضيلة و الشامخة في سماء الكمالات الرفيعة .