ما يصفه كثير من الناس بالبطالة هو كما أعتقد مشكلة قائمة في جزء مهم منها على إدارة ملف الاستقدام وإصدار تأشيرات العمل لغير السعوديين، في تصوري أنَّ متوسط 116 ألف تأشيرة عمل تصدر شهرياً خلال السنوات من 2010 إلى 2015 هو متوسط عالٍ، ويعبر بشكل دقيق عن المرض الذي يعاني منه سوق العمل السعودي، وحينما أصفه بالمرض فليس لكي أقول إنَّ السوق لا يحتاج للأجانب، ولكن لأقول إنَّ الأجنبي حينما يوجد له بديل سعودي وبنفس كفاءته وتكلفته فينبغي تقديمه، وهذا ما يستدعي عملية تقنين الاستقدام واشتراط عدم وجود مواطنين أكفاء طالبي عمل.
116 ألف تأشيرة عمل تُصدر شهرياً يعني بالبداهة وجود 116 ألف فرصة عمل شهرية، هذا العدد الهائل من الفرص الوظيفية يمكن له أن يحل مشكلة البطالة خلال فترة زمنية ربما تكون قياسية ويخلق الاستقرار الاجتماعي المطلوب، وقرار كهذا لا يملك البت فيه إلا وزارة العمل من خلال منع الاستقدام مع وجود سعوديين طالبي عمل، الكفاءة وملاءمة الوظيفة لثقافة السعودي – كعنوانين عريضين تتشبث بهما إدارات نسبة من الشركات – عذر يصح وصفه أحياناً بأنه (أقبح من ذنب)، من يخرج الآن إلى الأسواق والمجمعات التجارية يجد كيف أنَّ هناك كثيراً من الشباب والنساء يعملون في كافة الأعمال، في محلات الآيس كريم، المخابز، المطاعم، السوبر ماركات الكبيرة وغيرها، والحال هو الحال في الشركات الكبيرة والمستشفيات التي يعمل فيها السعوديون كأطباء وكمهندسين وإداريين، هذا يعني أنَّ التنوع المهني الذي تعيشه معظم بلدان العالم وطالما افتقده سوق العمل السعودي أصبح واقعاً اليوم، ما يريده الناس هو فقط العمل الشريف وفي أي مكان، أما بالنسبة للمهن الحرفية من سباكة ونجارة وحدادة وغيرها التي تعتبر الأكثر توفراً في سوق العمل فهذه المهن تحتاج لتدريب لفترات ليست طويلة ليصل فيها الموظف للمستوى المطلوب، وأما الاعتذار بأنَّ الأجانب أكفاء في هذا الجانب فهذا الكلام في نسبة كبيرة منه ليس صحيحاً، رأيت كما رأى غيري كثيراً من الأجانب الذين يدخلون البلاد بهذه المهن وليست لديهم مستويات دنيا من الكفاءة، ولكن بفعل التفاف زملائهم الموظفين ومن نفس جنسياتهم حولهم وتدريبهم على العمل يصلون بعد فترة قصيرة إلى مستوى الكفاءة المطلوب، فالحديث عن الكفاءة وعن ثقافة السعودي بصفتهما مانعين من عمله المهني حديث ليس صحيحاً، وهو يعبر إما عن جهل، وإما عن عدم ثقة ليس لها مبرر منطقي.
في اعتقادي أنَّ معالجة ملف الاستقدام هي خطوة مهمة في معالجة ملف البطالة، لا يمكن بحال من الأحوال أن نرغب في معالجة هذه المشكلة، وفي نفس الوقت نقوم بشغر جميع الوظائف المتاحة بالأجانب، كما أنَّ العمل على إنشاء معاهد مهنية متخصصة لتوفير الأيدي العاملة المهنية قادر على توظيف مئات الآلاف من المواطنين.
يمثل خلق الفرص الوظيفية هدفاً مهماً من أهداف رؤية المملكة 2030، فحينما تستهدف الرؤية خلق 6 ملايين وظيفة فإنَّ السؤال البارز هو: لمن ستكون هذه الوظائف؟!، إذا كان الجواب لغير السعوديين فمعدلات الاستقدام العالية قادرة على شغرها، أما إذا كانت للسعوديين فلا بد من العمل على تقنين الاستقدام وصناعة آلية توطين منطقية تحافظ على حق الشركات في الاستمرار والنجاح، كما توفر الحياة الكريمة للموظف السعودي.
الشرق