أبو عبد الصَّمد.. القَادِمُ من هَجَر

من واحات هَجَر في بلدة الرُّمَيلة إلى القَطِيف في قلب العَوَّامِيَّة، يرحل شاب ليستقر في أحيائِها، طلبًا للرزق، في منتصف السبعينات، والبلاد تشهد ثورة عمرانية قَلَّ نظيرها، إثر ارتفاع أسعار النفط وانعكاس ذلك على حياة المواطنين بشكل مُباشر.

جاء عبد المحسن الرشيد ليعمل في المقاولات رئيسًا لشركة يقع تحت إمرته عشرات العاملين، يساهم في بناء البلدة لَبِنَة لَبِنَة، مُمتزجًا بأنفاسه المُحبة لأهلها.

سرعان ما اندمج الشابُّ اليافعُ مع شرائح هذا المجتمع، فأصبح منه وفيه في فترة قياسية، بلهجته الأحسائية المميزة. احتضنه أهلُها الطيبون بعفوية وحب. دخل بيوتهم، وأكل معهم، وصحبهم.

وبعد فترة وجيزة يصاهر إحدى العوائل الكبرى في البلدة، فيتزوج منها؛ لتصبح (أم عبد الصَّمد) زوجةً له وأمًّا لعياله.

ولقربي من هذا الرجل؛ فهو زوج عمتي، يمكن أن أذكر سجاياه التي وقفت على جانب منها:

★ تدينه وإخلاصه لربِّه، وعنايته بصلاته وعبادته، أمرٌ مشهودٌ له، يلاحظه كُلُّ من اقترب منه. يرى الحياة من مِنظار الدِّين؛ فما أحله الله ذهب وراءه، وما حرَّمه وقف أمامه.

★ عُرِفَ بدَمَاثِة خُلُقِه وبابتسَامته التي لا تفارقه مُحيَّاه. حُلو المَعشَر، عَذبُ الكَلام. يُلقي التَّحية على هذا ويبادلها ذاك.

★ حين تعثَّر مشروعه (المقاولات)، أخذ يجاهد في سبيل لقمة عيشه، فيقطع الفيافي في الصيف اللاهب، وفي الشتاء القارس، بلا تردد، ولسان حاله: «الكَادُّ عَلى عِيَالِهِ كَالمُجَاهِدِ في سَبيلِ اللهِ».

★ ترك أبناء وبنات مشهود لهم بالخير والصلاح، وليسمح لي ابنُ العمة (عبد الصَّمد) بأن أقف وقفة معه، -مع علمي بشدة إخلاصه وتواضعه، وتحفظه على الإشادة به-، فهو (عبد الصَّمد) بالإضافة إلى عمله في التربية والتعليم في إحدى ثانويات المحافظة، أخذ على عاتقه حمل القرآن الكريم تعلُّمًا وتعليمًا، فهو من أشهر القراء على مستوى المحافظة. يرِّبي ثلة من الشباب المؤمن تربية قرآنية، ويُعِدُّ حلقات بعنوان (دقيقة قرآنية) ليبثها على شبكات التواصل الاجتماعي. إنه مصداق لقوله (صلى الله عليه وآله): «خَيرُكُم مَنْ تَعَلَّمَ القُرَآنَ وَعَلَّمَهُ».

★ اتخذ العوامية موطنًا لِمَا رأى من أهلها من حفاوة استقبال وترحيب منقطع النظير، فبَادَلَها بالوفاء لها، ولم يخرج منها إلا إليها حين حَملَ أهلُ العوامية الأوفياء جنازتَه على أكتافهم مودِّعين له كما استقبلوه؛ ليُدفَن في مقبرتها.

★ فَاضَتْ رُوحُهُ الطيبة إلى بارئِها في صبيحة يوم الجمعة، الموافق للثاني والعشرين من شهر جمادى الأولى 1439، وقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِن مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَومَ الجُمُعَةِ،أَو ليَلَة الجُمُعَةِ إِلَّا وَقَاهُ اللهُ فِتْنَةَ القَبْرِ».

أبا عبد الصَّمد

نَم قَريرَ العَينِ هَادِئَ البَالِ مُطْمَئِنَ النَّفْسِ:

(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)

اللهَّم صُبَّ على قَبرِهِ شَآبيبَ رَحمتِكَ، ولَقِّهِ رَحمَةً مِنْكَ ورُضْوَانًا


error: المحتوي محمي