حياة طبيعية طال انتظارها

يبدو أن «عودة الروح» تُلامس سقف الأماني المتحررة من «عقود الخوف»، لتبدأ مرحلة جديدة، عنوانها الأبرز: حياة طبيعية طال انتظارها.

الدول والنظم والمجتمعات، مهما مرّت بفترات من الركود أو بمحطات من التردد، تحن دائماً إلى تحطيم قيودها وتابوهاتها التي تسببت في تعطيل تنميتها وتراجع تطورها، فهي – أي تلك الدول والنظم والمجتمعات – أشبه بكائنات حية، لها دورة حياة طبيعية، تماماً ككل الكائنات والمخلوقات، تبدأ بطفولة البدايات، ثم عنفوان الشباب، إلى أن تصل لتجربة الكهولة. نعم، قد تمر بفترات عصيبة أو تُصاب بالأمراض، بل وقد تفقد الوعي في كثير من الأحيان، ولكنها سرعان ما تنهض من كبوتها – حتى وإن طالت – وتعود للحياة الطبيعية من جديد، تلك هي طبيعة الكائنات والنواميس.

وكل من يدرس مسيرة الحضارة البشرية، قديماً وحديثاً، يُلاحظ ذلك التطور/ التحرك الطبيعي لعجلة الكون. ومن يسبر أغوار التاريخ ويتعمق في تجارب الشعوب، يصل إلى حقيقة لا شك فيها، مهما حاول سدنة الأقفال الغليظة وجوقة الحرس القديم، مواجهة رياح التبشير أو منع أشعة التغيير.

لم نحتج للكثير من الوقت والجهد والجرأة، حينما قررنا ذلك، لنصنع فجراً جديداً لوطن قرر أن يستيقظ مبكراً، حتى لا تفوته فرص الاستمتاع بالحياة بكل ما فيها من أحلام وأمنيات وتطلعات.

عهد جديد، راهن منذ البدايات الأولى، على وعي ونقاء مجتمع يتوق منذ عقود لحياة طبيعية كبقية المجتمعات، القريبة والبعيدة. فخلال العقود الأربعة الماضية، فقدنا الكثير من الفرص والعادات والقناعات، وفقدنا الحياة التي كانت تشبهنا وتناسبنا وتُسعدنا. لقد أدركنا – ولو بعد كل تلك السنين الطويلة – ضرورة عدم تفويت الفرصة مرة أخرى، لاستعادة حياتنا الطبيعية بكل ما فيها من تسامح وانفتاح وعفوية، بعيداً عن تعقيدات الأدلجة والتخوين والقلق.

كم كان مجتمعنا الوطني بكل أطيافه ومعتقداته وقناعاته، بسيطاً ومتجانساً ومتماسكاً، لا مكان فيه لطائفي أو عنصري أو فئوي. كان مجتمعنا، أشبه بحديقة غنّاء، تتماهى فيها كل الألوان وتتناغم فيها كل الأشكال.

في طفولتي، لم أكن أعرف مطلقاً، ما انتماءات صديقي السمين حمد الذي يقطع مسافة طويلة من بلدته الجميلة دارين، ليدرس المتوسطة في بلدتي تاروت، وهو كذلك لم يكن يهتم بانتماءاتي أو قناعاتي، وكانت البلدتان الحالمتان، وما زالتا، رمزاً رائعاً لمعنى التسامح والانسجام والاندماج الوطني.

كانت مدارسنا وجامعاتنا ومكاتبنا وأنديتنا وشوارعنا وكل تفاصيلنا الصغيرة والكبيرة، بعيدة عن التصنيفات والفرز. لم نكن نهتم على الإطلاق بتتبع الأصول والطوائف والمذاهب والقناعات، بل على العكس تماماً، كان تنوعنا وتعددنا، عنوان تميزنا وتلاحمنا.

الآن، نحن نعيش «صحوة جديدة»، تُعيد لنا تلك الروح الوطنية الجميلة التي نتوق لها. ونحن جميعاً، بما نملك من وعي ومسؤولية وأمانة، وبما نملك من رغبة وقدرة وكفاءة، بحاجة ماسة للحفاظ على وحدتنا الوطنية التي تُمثّل سر قوتنا.

فاضل العماني
كاتب راي – صحيفة الرياض


error: المحتوي محمي