مشاعر هائجة في نفسي

إنني كلما جلست مع نفسي أحادثها أحاول إعادة أحوال مضت من عمر مضى, منذ أيام تناهى إلى مسمعي نبرات حيادية بيضاء لشيء ما في نفسي دون إدراك ماهيته, والليل أخذ ينشر عباءته رغم إني ما زلت مثخنة بالنوم, وأنا في الليل بحاجة لإضاءة كتاباتي فأقترف خلوتي مع قلمي,ويا عجبي من سواد ذلك القلم أكثر من سواد ليلي وإن عاندني أحيانا سأعتبره قلما باهتا لا جدوى منه, لن أحدد الليلة ماذا أكتب ولمن أكتب ولن أبالغ وأقول إنني أضع في يدي السبحة وأنا أكتب, وها أنا كعادتي أسامر أفكاري الهائجة وأكتب لك أيها القارئ وإن لم تقرأني فإنها مشكلتك إذن, ومن حقك إدراك كيف يفكر الكاتب وأي جديد يكتب, آه من عينك أيها القارئ وأنت تقرأ عنوان مقالي فالعنوان ضرورة كتابية ومواجهة حتمية للقارئ , أدرك تماما إن تركيب العنوان يراود القارئ ويثيره ولا يشبع فضوله إلا بقراءة المقالة التي يستشعرها.

مشاعري الهائجة اعتلت القمة ووجدت مكانها هناك فهدأت وسكنت, حيث إني تعودت على هجوم المشاعر التي تلازمني دائما الرغبة الشديدة في الإفصاح عما بداخلي, فهو كم كبير من المشاعر الهائجة وفي هذه اللحظة التي أكتب فيها أشعر بروحي تهتز وتثور, وأقسم لك إنني لست متشائمة ومن حقي أن أعبر عن هيجان مشاعري, ولحسن حظي إن قلمي هو الوسيلة الصادقة التي أعبر بها عن مشاعري.

كم ليلة علي شهدت وأنا أكتب وكم مرة غيرت قلمي رغم جودته, هناك كلام ُيباح وسر يُكتم وكلام قد أعود لأكتبه ذات يوم, ثمة دهشة فوق العادة متخفية في داخلي ومن غير المنطق ألا اكتب عن الجانب الآخر, أحاول أن انفض غبار تعب الفكر وأعطي مجالا لأفكار أخرى, يُقال يأكل المرء على ذوقه ويلبس على ذوق الناس أنا هنا أحاول جاهدة أن أكتب على ذوق القراء وقبل كل شيء يروقني وأتذوقه, فالكتابة لها جلال وطقوس ومن أهمها احترام رغبة وذوق القارئ, حيث إنها غريزة طبيعية في الكاتب وليس هناك ما يحبط من همتي ويعيدني إلى دائرة الصمت, ولعل رؤيتي في متابعة كل ما له صلة وعلاقة بالذوق العام والخاص, لا اعرف كيف يلاحقني التفاؤل دوما رغم بعض المتشائمين, ولقد كانت قناعتي تدعو للتفاؤل بأن أشتاق إلى لحظة فرح وأنظر إلى الجمال وأوحد خالق الكون .

منذ قليل حان وقت شرب قهوتي فأخذت فنجاني وملأته بالقهوة إلى حيث كنت أجلس, بقيت أكتب وأنا أرتشف قهوتي وأشعر بسطوري هي السكر لقهوتي المُرة, وهنا لا أرضى أن أكتب موضوعا عن الموت مثلا, وتجدني بعد قليل أتحدث عن الأزياء أو عن الرقص أو ما شابه ذلك, فهذا أعتبره تمزيقا لقيمتي بين القراء لأني أكتب لكل من يجزم بأن للكتابة أهمية وضرورة, وبأن القمر يعني أكثر من نور وضياء حيث أجد نفسي في الكتابة ليلا أكثر انسيابية وترفا, فكرت قليلا أن أكتب بغير قلمي الأسود, وهكذا سألت نفسي حينما شعرت برغبة بالكتابة فلم أكتشف إجابة بعد, قلت أتكئ على قلبي وهو يكتب ما يشاء وهل سيكتب فعلا أم سيلجأ للعقل؟ ما رأي من يقرأني الآن أن يكتب شيئا لعله يدلني على شيء أبحث عنه في نفسي, قد يأخذني إلى نفسي وله نكهة الخشوع ويشعل البخور في دمي, فالنص مزدحم بالكلمات رغم إنه بدأ يتلاشى بشيء من صدق الحرف على أثير سطوري, ولقد جعلت من قلمي سيفا وهاجا .

هنا خطر ببالي معظم أسماء من اعرف من القراء الذين احتلوا ركنا من ذاكرتي لأستعيد بعض هدوئي النفسي بهم, برغم هدوئي فاأنا في حالة هيجان فكري ولا اعلم إن للهيجان لغة, المساء هنا له لذة خاصة رغم إنه يبدو على مظهري ملامح متعبة, وليس خافيا على أحد من القراء إحساسي, وللحق إن طريقة وطبيعة نقل مشاعري تبدو نبيلة ونقية بل حارة وطازجة, هذا أنا بمشاعري من أول سطر حتى آخر نقطة من سطوري.

كم أفرح وأفخر بأني عشت ولا زلت أعيش على أرض القطيف, تلك المدينة التي تنام بين أحضان الرمل والبحر, كم لهوت في طفولتي مع صغار الحي وكم تذوقت الجمال وسعدت بكل أنواعه, كنا نتذوقه في سماء ليالي القطيف الصافية وحتى مع غيومها, وفي نزول الغيث كنا نتذوقه ونحن أطفال حينها, نعم نتذوق الجمال مع رمال القطيف الذهبية ومع أمواج البحر, ويا للعجب حتى الجمال في الخضار الذي نتناوله بألوانه المتعددة له مذاق, وهكذا التذوق الجميل للجمال نشعر به وفيض من خلال سلوكنا اليومي, هكذا الإحساس بالجمال الطبيعي وحلاوة أيام الشباب يبدو لي ثروة ذو قيمة وعطاء من فيض إلهي , أين نحن من ذاك العطاء الرباني كل ذلك يتمثل في الطهر والعفاف والخير والبراءة بل في الصدق والحب, التمس العذر مما ذكرت قد لا يكون جديدا عليكم ولكنه شيء ما في داخلي أردت البوح به لأستشعر جمال أيام زمان, دعيني أحبك أكثر يا قطيف فما أصدق عشقي إذا همت بك, فما أجملك جغرافيا وما أروعك تاريخيا وما أقدسك وطنيا.

أحاول الوقوف على ذكرى أطلال قلعة القطيف, التي تناساها البعض في غمرة الواقع التي تعود بنا إلى الزمن الخصيب المليء بالوطنية الصادقة, سؤال من المؤسف طرحه, وأنا اليوم أوقن تماما لن احتمل أن أنسى معالم قلعة القطيف التي مُحيت آثارها والتي عُرفت بأزهى تاريخها وحضارتها وعراقتها, من منا لم يدرك قلعة القطيف ولم تسحره حضارتها وأبنيتها الرائعة ولكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن, هذا ما حدث لقلعة الحضارة والتاريخ وانتهى شموخها حين هُدم سورها واندثرت بيوتها الأثرية ومُحيت أزقتها المظلمة المضيئة وتفرقت ساكنيها, ما هذه الدنيا هل اختفى وذهب الوفاء حتى كأن وجوده ضرب من الخيال والمستحيل! أعترف لم أعد أدرك القلعة كما كنت ماذا عساي أن أقول! أعزي نفسي في كيان ومعلًًم وحضارة عشتها داخل سور القلعة, وأشعر كل ساكنيها أسرة واحدة ومن طبقة واحدة , لا يختلف اثنان على إن أهلها ذو علم وأدب وثقافة وفن ودين وجمال والواوات كثيرة , لا أزال أتذكر بيت جدي لأمي الحاج حسن الخنيزي رغم صغر ذلك البيت كان يضم العائلة بود وحنان, كنت أهاب وأنا اصعد السلًم الضيق أخشى السقوط وسط الظلمة, وذاك الديك لا يزال يطربني بصياحه حتى وأنا لست في حاجة للاستيقاظ باكرا, هناك حتمية فمن الصعب أن ندخل مرة أخرى ذلك السور وأن نلمح ناسه هناك لا ولن يعود شيء من ذلك ويا حسرة على أطلال قلعتنا .

ومع نهاية سطوري هاأنا أضع رأسي فوق وسادتي بشكل روتيني و سأترك هنا قلبي وعقلي, لعلني أعود مرة أخرى بمزيد من الحكايا والخفايا وأشياء أخرى في نفسي, والعفو بهكذا بوح صادق ممزوج بالمشاعر الهائجة في فضاء مقالي فلا تقلق يا قارئ الكريم لن أورطك في هذا الزخم المتداخل من المشاعر.


error: المحتوي محمي