مفاتيح الرضوان


لدينا ازدواجية في المعايير ، وخلط في المفاهيم ، وربما اشتباهٌ في معنى حسن التعامل الأخلاقي ، فليس من المعقول والمقبول شرعاً وعقلاً ومنطقاً أن ننبذ جميع الشرائح المبتلاة ببلايا أخلاقية ، أو انحرافات سلوكية ، بل أن علينا احتضان بعض هؤلاء والتقرب منهم وتقريبهم لنشعرهم بالأنس والمودة ، فلربما نستطيع أن نحتويهم ونخلصهم مما هم فيه ، ونكون سبباً في هدايتهم ، وإخراجهم من ورطاتهم التي هم عليها كرهاً أو طواعية .

ولكن وبافتراضٍ جدلي أن البعض يتعامل وفق ذلك ، وهو النبذ والإزدراء ، فلماذا لا يكون سواءً بسواء ، فنحن ننبذ أصحاب السوابق واللواحق الإجرامية ، أو من يتعاطون المنكرات ، أو من سيرتهم الأخلاقية غير حسنة ، والعياد بالله ، ولكننا لا نستنكف ممن هو أسوأ من هؤلاء بكثير ما هم فيه ، فنقول ومجتماعتنا ليست مجتمعات فاضلة بالمطلق ، نقول هل نتخذ نحن موقفاً صارماً من أهل النميمة وأهل الرياء ، أو هل نزدري الفئة المنافقة ، أو المتلونين والمفسدين والكذابين ، أو المتجاهرين بالفسق ، أو المخادعين ، أو الإنتهازين والمتملقين وأصحاب الفتن وغيرهم ممن استحوذ عليهم الشيطان وأنساهم ذكر الله ؟ .

إن هؤلاء أشد ضرراً وخطورة وقساوة وضراوة من أولئك الذين ربما هم مسالمون بسبب طبيعة مسلكهم ، وضررهم على أنفسهم في الغالب الأعم ، ولربما يمكن علاجهم ، مثل الذين يتعاطون المخدرات وما شابه ، ولكن هؤلاء شرهم مستطير ، وهم في غالبهم حادي الذكاء والفطنة ، ولكنهم مبتَلَون بلاءات عظيمة ومتأصلة ، وهم يقتاتون عن طريقها ، كما أنهم لا يعون ما هم فيه من الخطر ، ولا يرعوون ولا يعتبرون ، بل أن بعضهم يعون ما يفعلون ويستمرأون ذلك ويرتاحون من نتائج أفعالهم المشينة ضد الآخرين ، بعد أن أصبحوا قرناء إبليس الرجيم ، ولذلك هم يقلقون من راحة غيرهم وسلامتهم واطمئنانهم ، فلا يرتاحون دون مضرة الآخرين والكيد لهم سراً وعلانية ، والمصيبة حين يستغفلون بعض الطيبين الأخيار الذين يسلمونهم طواعية مفاتيح الرضوان ، ويكونون لهم كتباً مفتوحة ، ليقرأها أولئك الإنتهازيون بالطريقة الكيدية التي يجيدونها ، فيتضرر منهم من وثق بهم ثقة الأعمى.

إن أفعال الفئة الأولى التي ذكرناها عادة ما تكون مستورة وفي حدود عالمها ، ولكن هؤلاء يستشرون في مجتمعاتهم استشراء المرض العضال ، وهم عادة يبحثون عن الخاصرة الرخوة لاستضعاف أهلها واستغلالهم ، وإلّا فلا ضير أن يكون شرهم بصريح القول والفعل والعبارة جهاراً نهاراً ، وعلى رؤوس الأشهاد دون خوف أو خشية أو حياء .

هؤلاء هم من يجب أن تعقد من أجلهم المجالس ، وتشكل اللجان لاتخاذ المواقف الجدية ، ونبذهم قولاً وفعلاً دون تردد ، إذا لم يكن بينهم من يمكن إنقاذه وعلاجه وتأديبه وتهذيبه ، لأنهم لو تركوا على ما هم عليه فسيقضون على المجتمعات ، وينهار السلوك العام ، وتتبدل المفاهيم والأعراف الأصيلة ، وإن لم يكن بين ليلة وضحاها ، لكننا سنتفاجأ لاحقاً بمجتمع واهنٍ ومنقسم على بعضه ، ومتخلف تخلف القرون الأولى ، يأكل بعضه بعضا ، كما كانت بداية الخليقة ، وإن بملابس الحداثة والأناقة والتطور.


error: المحتوي محمي