عبادة المحبين

الباعث و محرك النفس نحو عبادة الله عز و جل يتدلى بين مستويات متدنية ، تتارجح ما بين خوف العبد من الم العقاب جزاء مخالفاته و سيئاته ، فيجانب المعصية وقاية للنفس من نيل العقوبة ، و بين رجاء يحذوه بنيل ما وعد به الرحمن عباده المطيعين ، فتتوق نفسه للتنعم بنعيم تقر به النفس .

و أما الدرجة العالية من الباعثية و الموافقة لمعرفة يقينية بعظمة الخالق ، و استشراق النفس باستدلال عليه عز و جل بآثاره و آياته المبثوثة في الكون ، فتزرع في نفسه أنسا و طمأنينة و محبة يعبر عنها باجواء روحية و عبادية ، هذا هو السبيل إلى القرب من الله تعالى و حيازة مقام عال من الورع و الاستقامة .

نعم هي عبادة المحبين الذين سكنت نفوسهم جاذبية العشق ، فانجابت عنهم كل مشاغل الدنيا و استصغروا بعين بصيرتهم حظوظ دنيوية لا تستحق التأوه و التألم على فواتها ، كما أن الصعاب و المصائب التي يواجهها تهون آثارها ، فهي ليست إلا محطات ابتلاء يستشعر فيها لطف خالقه و معيته معه ما دام متسلحا بالصبر ، و ما الحياة بالنسبة له إلا تقاطيع زمنية تتموج ما بين سراء و ضراء ، و عليه قطف ثمار شكر النعم و الصبر على البلاء ، هكذا يعيش حياة الطمأنينة و راحة البال في وسط الأمواج المتلاطمة من الصعاب ، فدنيا زائلة لا تستحق الهيام بها و لا مدافعة الناس بالكراهية و الأحقاد ، بل هي حياة مودع يرتقب آخرته مدققا في كل ما يعكر صفو المحبة لخالقه .


error: المحتوي محمي