فن الانتقاد

أعدت كوبا من القهوة بالحليب الدافئ ووضعته على سطح مكتبي فإذا ألمح أوراقي المبعثرة وأنظر لها نظرة حب وانتماء, وجال في خاطري موضوعا يستحق أن أقف عنده طويلا حتى نرقى جميعا ونكسب قلوب الآخرين,طالما نحن جميعا نعيش في مجتمع مثقف واعي لمَ نقف ضد المرأة المبدعة ونحاول إعاقة تقدمها ونجاحها, ولأني امرأة قد لاحظت إن الانتقاد قد يزداد تركيزا علي وإحساسي لا يخونني حيث انتابني توتر عميق في داخلي.

يقول أحد الكتٌاب: عليك أن تشكر حسادك لأنهم تبرعوا بدعاية مجانية نيابة عنك,أنا لست مع الكاتب في رأيه, قبل دخولي إلى حرم مقالي أقول لك أيها الناقد الجريء بأنني سأواصل الكتابة بالطريقة التي تروقني وقبلها سأبدأ في تلاوة آيات الخوف ليطمئن قلبي, ومع تقديري للأخ المنتقد العزيز أقول مرحبا فالموضوع فيه شيء من التحامل, نعم فعندما يأتي الانتقاد من ابن بلدك تكون المصيبة أشد, لدرجة أشعر إنها صفعة وتجريح لي وليس من قِبل التواضع أن أزعم, إنني أتعامل مع نقد بعض القراء بقدر من الرهبة والحذر فقلمي أمانة في يدي, فلا أكتب إلا بضميري وإحساسي مع سطوري العنيدة رغم إن حبر قلمي ينسكب هنا وهناك.

مقالي هذا إهداء إلى أحد القراء المحترم جدا ليس تملقا مني ولا تطاولا عليه وإنما لثقتي بنفسي وفكري دون غرور,لقد أوقفني الأخ ذات مساء بعد قراءته مقال فلسفة امرأة وفاجأني بانتقاد دون مقدمات وافهمني بطريقة لا تقبل الجدل,لعله لم يشأ أن يؤلمني آثر أن يدع الباقي لفهمي وأنا أيضا لم أشأ المجادلة, وفي الحين ذاته لم أشأ المراوغة أجبته بلا تردد هكذا أنا بأسلوبي بثقافتي وبفلسفتي, غريب طبع البشر لا أحد يشعر بنا من الداخل ولا أحد يترجم نبضات قلوبنا ليفهم آهاتنا ومواهبنا, ولأنهم يحاولوا ستر أخطاءهم بالنقد هناك سبب بسيط لأنهم أجهل الناس بأخطائهم ويستمدون فلسفتهم من تجارب وخبرات من ينتقدوه و يتخذون أسلوب التسلق على أكتاف الناجحين, بدأت أدرك قوانين الانتقاد إنه لا قانون .. كل شيء تحكمه الحماقات البعض يسبحون في انتقادات الآخرين, اعذروني سأغمض عيني كي لا أرى ذلك لأني أدرك تماما إن الناس لا ترفس كلبا ميتا ” عفوا ” ولم نسمع إن أحدا يهجو أو ينتقد حائطا.

تعجبت كثيرا من طلب ذلك الأخ العزيز الذي أجبرني أخلاقيا وإنسانيا أن أطرح مقالاتي بعيدا عن القطيف وعن منتدى حروفي, لعلني ألتمس العذر القليل له حيث إنه لا يدرك مدى تمتعي بالروح والنفس الراقية التي تكاد تخترق الحدود الفكرية والثقافية دون تمييز, وأنا أكتب بأصالتي القطيفية وروحي العاشقة للقطيف بترابها وناسها, فأنا أختلف معه في وجهة نظره لأني كلما كتبت عن القطيف وفي القطيف فكأني أتغنى بوطني, حيث أراه شامخا بقوة ثقافة ناسه وبقوة تمسكهم بأرضهم الغالي, كل ذرة في القطيف أجدها غالية لا يمكن التفريط فيها فلا أستطيع أن أوجه اللوم والعتاب لذلك الرجل ! إلا إني أستأذنه قائلة لندع أهل القطيف تتغزل وتعشق أرضها كما يحلو لنا, لا يمكن أن تخلو الليل من النجوم فصلتي بالقطيف أكبر من كل هذه الحتميات باقية وستبقى .

لن أخفي عليك فلقد كتبت مقالي هذا بأقل من ساعة لأني كنت متأزمة وهذا نتاج إحباط نفسي متراكم ولكنه مؤقت نوعا ما, عذرا لذلك وعذري ضيق وقتي واضطراري للإسراع في الرد, ولا داعي لأخذ الأمر بحساسية يا أعزائي أدرك جيدا إن من تضايق فقد لامسه الأمر رغم إني لم أحدد لنعتبره موضوعا عاما, ولا ذنب لي إن البعض اكتشف هذه الحالة عنده لكني أغبطه ليقظة إحساسه وصحوة ضميره.

لطالما واجهت انتقادات الآخرين لي ربما لأنني أجيد الأخطاء, وأتذكر بأني سبق وإن طرحت كثيرا من المقالات الفلسفية الجريئة, فهي مسألة أعشقها وأجيدها ومع ذلك لم أجد تقديرا لعشقي فتم انتقادي ولأنني دائما أصر على ما أعشق,فلن أترك للقارئ مجالا ليتبني مشروع الانتقاد بمجرد إنه لم يفهمني جيدا, ومن السهل على أن أعيش وأتقمص المقالات كلها بإتقان ولن أدعوكم للانتقاد أقصد للسطحية, حاول يا قارئ العزيز أن تتقن قراءة مقالاتي جيدا دون أخطاء لتتمكن من النقد, والناقدون هم أكثر الخطاءون والمعذرة من البعض أصحاب النقد البناء.

الانتقاد بهذه الكيفية التي أنقلها للقارئ هو لأني حقا أعيش حالة كوني في حضرة النص بحروفه وسطوره ونقاطه وحتى فواصله, اعذرني ما ألمسه وأراه أنا قد لا تراه أنت ,أحاول أن أنسى ما مضى من الآلام حتى لا أكون آلة وجع وألم, أنا شخصيا كنت شديدة الحساسية ربما تألمت لأيام قليلة أحرجتني أمام نفسي, فأنا أحاول أن أوطن نفسي على عدم التحرج من النقد الغير هادف, وأعترف علي أن أتجرد من النرجسية أمام أي ناقد ولكني أيضا ما علي أن أتذكره أن يكون ناقدا مقتدرا, رغم اتفاقنا أن النقد يمثل الرأي الآخر وعلينا احترامه, وفي ذات الوقت علينا أن لا نتضايق من ذلك رغم قناعتي التامة بأن النقد الموجه لي يساوي قيمتي وأعتبرها إحدى علامات نجاحي, أتصور قد يلمس القارئ مشاعري المختلطة إن لم اقل المتناقضة قبل أن يسرع القارئ بانتقادي مرة أخرى وإلا ما جدوى حواري هذا؟!

أكتب مقالي هذا ردا على بعض الانتقادات الحادة التي وجهها أحد القراء لي وبمناسبة ما قاله عن بعض مقالاتي بشكل سلبي,و أخشى إنني على وشك الوقوع ضحية انتقادات لا داعي لها,والأهم لكتابتي هذا المقال لثقتي بأن حبي للقطيف منذ طفولتي ولغاية الآن سيكون فخري الذي أعتز به وقد لا يملكه البعض الذين أرثي لهم لعدم تمتعهم بهذه النعمة العظيمة,وأعترف بأنني امرأة عاشقة للقطيف ومتيمة بكل ما ينتمي لقطيفنا وهذا الأمر لن يزعج البعض.

إن ما يحز في نفسي حقيقة هو إن يخضع عشقي للقطيف لانتقادات جائرة عبثا وعشوائيا من البعض ليتني أتمكن من توزيع حبي للقطيف على الجميع فالبعض بحاجة لهذا الحب والمواطنة الصادقة وحينها سيقدر القارئ عشقي للقطيف وحلال عليه إن نافسني في ذات العشق .

أدرك تماما كلما كبرت هامة المرء كثر المنتقدون له وما أقصده طبعا بالنقد السلبي, وأدرك أيضا الحكمة الشهيرة إرضاء الناس غاية لا تدرك وللأسف البعض يعانون من الانتقاد لأجل الانتقاد نفسه, ومهما حاولت إرضاء الجميع لن أفلح أبدا وسأواجه الكثير من ينتقدني بطريقة ما وذلك نظرا لاختلاف المفاهيم والأفكار والأذواق, حيث يكون النقد أحيانا دون حقد أو كراهية ربما هناك صحة تكون غائبة عن صاحب الانتقاد, وأدرك إن البعض لا يجامل ولا يصمت لأنه ليس لديه احترام للخصوصية الفردية خصوصية الانتقاء والاختيار,و أدرك تماما حتى أنال حب واحترام الآخرين سأكون دائما عرضة للنقد, وأي كان نوع النقد لا يعيق طموحي ولعله يمكنني من رؤية الأمور من زاوية أخرى,و علينا إن ندرك إن الكسوف والخسوف للشمس والقمر فقط أما بقية النجوم فلم تنال هذا الشرف ولا أعتقد القارئ يجهل ما قصدته هنا فالمغزى واضح كما الشمس والقمر.

سابقا وفي أيام الصبا كان لمفهوم الانتقاد في أذهاننا والمفهومة في زاوية المكروه لأن هناك من يرغب المثالية بكل شيء, ولعل أول صدمة في حياتي قابلتها في هذا
الشأن, لم أدرك أبدا بأن للانتقاد جنون عفوا ما أعنيه فنون دون إدراكي بأن لذلك الفن أهله وعالمه, وأما من ينتقد نون النسوة فتلك كارثة عظيمة! وهنا دعوة رقيقة جدا رفقا بالأقلام الناعمة وبصوت النسوة الصادق دعوا قلم المرأة يشرق برقته وبإحساسه.

لعل القارئ الكريم يسمح لي بأن أطرح بعض التساؤلات القادمة قبل الحديث عن الانتقاد, والأدهى بأن الانتقاد أصبح يمارس من قٍبل بعض الشخصيات الضعيفة,
وتلك الانتقادات التي قابلتها في حياتي أكاد أجزم بأني لم أرى مدارس أو معاهد لفن الانتقاد, فيا عجبي على تلك الفنون!

هل أنت من البعض الذي يحب انتقاد الآخرين وهل تظن بانتقاد الآخرون لك يؤثر عليك سلبا أو يؤخر نجاحك وطموحك, هل من ينتقدك سيخرج من دائرة اهتمامك بعد انتقاده لك؟ يا ترى هل للنقد قوانين؟ هل هي وقاحة أن يهديك البعض عيوبك وجها لوجه؟ كيف تنتقد مقالاتي وتتحدث نيابة عني أو نسيت بأني إنسانة مستقلة بذاتي وكياني ولي فم بداخله لساني أتحدث به بطريقتي وأترجمه من خلال قلمي الذي يترجم بفكري, كيف تمنح نفسك صلاحية التحكم فيما أكتب أو حتى تقرر أن تنتقدني بطول مواضيعي لا ذنب لي إذا لم تكن لك القدرة على القراءة الطويلة, أتظن إنك بذلك تنزع ثقتي وإحساسي وحماسي وكأنك تستحقرني؟ عليك أن تخبرني كيف سولت لك نفسك التطاول علي دون وجه حق؟

أنت لست ملزما هنا بقراءة مقالاتي الفلسفية الطويلة فالساحة مليئة بما يليق بفكرك وأرجوك ألا تفرض وصاياك ونصائحك علي رغم اتفاق الكل إن النقد الهادف يمثل الرأي الآخر وعلينا احترامه نعم والنقد البناء يساعدنا على الارتقاء بأنفسنا وتطوير قدراتنا وطاقاتنا.

لن أقول أنا بلا عيوب أعترف إني لم أتعرف على نفسي وفكري بعد وعلي أن أطور ذاتي وإن يقيني بأن الكمال لله وحده جلت عظمته, إذا لابد من النقد لنبدأ بأنفسنا قبل أن ننتقد الآخرين, هناك أدب ولياقة في الحوار والتي تدل على رفعة صاحبها. لا يجب علينا أن ننتقد ونتبع عثرات الآخرين وإظهار عيوب الغير من أجل التشفي فقط وإن كان النقد مطلوب, لابد لنا من وزن كلامنا نحن بحاجة إلى إتقان ومهارة وفن النقد, دون هجوم بل علينا معرفة فن أسلوب الحوار والحديث الهادف,علينا احترام حدودنا وعدم التدخل فيما لا يعنينا ولا يجوز لنا أن نوجه سهامنا للبعض.

البعض منا يتقن فن الانتقاد والبعض من ينتقي ويختار ألفاظا وكلماتا جارحة سليطة, والبعض همه فقط البحث في أعمال وتصرفات الآخر لعله يصطاد أخطائك وسرعان ما يطلق صواريخ من الانتقادات تجاهك, وهكذا البعض الآخر يملك غريزة حب الانتقاد وحب الظهور ومن أجل التشفي, وإن كان الانتقاد عادتك وصفتك فلا تمارسها على حساب مشاعر الغير.

لا يحق لك أن تطلق انتقادات جارحة موجعة هنا وهناك دون مراعاة لمشاعر الآخرين, وإن كان لدينا عيب فثق إنك مليء بالعيوب,النقد البناء من الدين هكذا أخبرنا حبيب الله الرسول العظيم صلى الله عليه وآله وسلم الدين النصيحة, لا بأس من النقد البناء دون عدوانية وغضب ودون انتهاك إنسانية الغير أو التقليل من شأنه, وتذكر إن الذي يناسبك قد لا يناسبني بل علينا أن نكون إنسانا كاملا. ما أجمل أن يعيش الإنسان وسط جماعة تحرص على نفعه ونجاحه وتبارك طموحه, وتساعده على مواجهة المصاعب مما يجعل الحياة أجمل.

وأخيرا يا أعزائي القراء أينما كنتم أعتذر إذا أثقلت عليكم, وصلت للختام لأسدل الستار على مقالي هذا شاكرة لكم رحابة صدركم وفكركم الثاقب, وأضع مقالي بين يدي القارئ الكريم راجية الاستفادة منه فما أرجوه منه أيضا أن يدلني على الخطأ وبطريقة لائقة وسأجعل قلبي كبيرا دون ضيق, أعتذر لقد كانت مجرد كلمة أخرجتها من داخلي ولعل الناقد العزيز أن يعذرني.


error: المحتوي محمي