عصف روحي

حالة من التوتر تحدث ما بين علاقات الناس مع بعضهم بسبب خلاف أو سوء فهم أو حوار ساخن و غيرها ، و هذا أمر ملموس بالوجدان و نراه ماثلا بين أيدينا كثيرا ولا يغيب عن مشهدنا اليومي في أمكان متعددة نتواجد فيها ، و لكن هل يمكن للمرء أن تضطرب علاقته بنفسه فيقع بينهما خصام و نفرة ؟!
نعم ، يمكن لذلك أن يحدث عندما تنقم النفس على الواقع و تصب اللعنات على مسير الأحداث اليومية و ما يداهم الإنسان من وقائع و أخبار تنقبض لها نفسه ، و تسلب منه راحة البال بل و يرى معها أن حظه تعيس و لا يبصر بصيص أمل نحو السعادة ، و تدور في رأسه الأسئلة العديدة و يجتر آلامه التي لا تبرح فكره ، و يطرح معها تساؤلا عن مصير حياته في زحمة هذه الشدائد و الأزمات التي تعصف باستقراره النفسي و الوجداني ، فها هو يخرج من صدمة نفسية أو عاطفية ليدخل في أخرى أدهى منها ، بعد أن ظن أن غيوم الألم و الهم السوداء قد ارتحلت من سمائه .

يتعجب كثيرا من هذه المصطلحات المشيرة إلى الهناء و السعادة و راحة البال التي يمكن أن ينعم بها المرء ، كيف و هو لا يرى في الحياة إلا البؤس و الشقاء و التعب ، و يملأ فضاء العلاقات الاجتماعية انبعاثات خانقة من الغدر و الخيانة و الكراهية و الحسد ، فلا شيء من حوله يمكنه أن يبث الطمأنينة و الأنس في نفسه ، فلم يعد يثق بشيء من حوله حتى نفسه لا يعرف ما تريد و لا ما يريحها ، فقد أضعفت الهواجس من المستقبل المجهول قواه النفسية و أورثته الوهن و التعاجز عن تحقيق أي هدف تصبو إليه نفسه ، فكل ما حوله يراه بعين اليأس فلا شيء من حوله يبعث على التفاؤل ، بل كل يوم يبرهن في أحداثه على قتل الطموح و وأد أي إرادة على التغيير نحو الأفضل .

البناء الذي يقوم على أسس متهرية لابد أن يسقط و سريعا ، و كذلك النفس المتقومة بالشكوك و الظنون و غياب الإرادة منها لا يمكنها أن تقاوم صعوبات الحياة و ما تكتنفها من أزمات و عراقيل و مراحل إخفاق كمسارات لا تخلو حياة أحد منها أبدا ، فيصيبه من الضعف ما يجعله كائنا متبرما متشائما من كل شيء .
هل يمكننا أن نتخلص من ساحة الصراع الداخلي الذي نخوضه مع أنفسنا ، و ننتهي إلى نتيجة مفادها التصالح و السلام بعيدا عن حراب الخوف و القتل الطموحات ، و تنبت في أرض واقعنا أشجار الأمل و الثقة بالنفس و بما نمتلكه من طاقات يمكنها تغيير حياتنا نحو الأفض ، مهما كانت حجم الصعوبات و الظروف الحالكة التي نمر بها ، أم أنها مجرد أمنيات ؟

النفس المتمردة على كل شيء تسير بنحو خاطيء و سلبي إن أورثها ذلك التصادم مع الوقائع من حولنا ، إذ أن حياتنا لا تبنى على الأوهام و الخيالات و الأماني الهلامية ، و لراحة أنفسنا علينا أن نتقبل الواقع بكل أدواره و مساراته ، فنبني لنا دورا في عجلة التنمية الفردية و المجتمعية من خلال استغلال طاقاتنا و معرفة دورها في تنفيذ أهدافنا ، و أي عرقلة تصادفنا لا ينبغي أن تصيبنا بفقدان الأمل ، بل هي فرصة لاختبار إمكانياتنا في تجاوز الصعاب ، و تلك الأزمات ما هي إلا وميض معرفة و دروس نكتسبها من الحياة القاسية ، فثقتنا بأنفسنا تجعلنا كالنبات الجبلي يضرب بجذوره في وسط الصخور و يقف شامخا أمام هبات الريح ، فالنفوس الضعيفة و التي تسقط مع كل صعوبة أو صدمة ، لا مكان لها في عالمنا المائج بالأزمات .

و ما حولنا من مآسي تغرقنا في مشهد حزين ( تراجيدي ) و تدغدغ مشاعرنا المتألمة ، و يغزو فكرنا الكثير من الأفكار المخيفة لما ستؤول إليه أحوالنا ، و لكن العاطفة الواعية لا مكان فيها للاستسلام أو التقهقر ، بل تتآزر مع الفكر الراشد للعمل في إطار فن الممكن ، فلا نحن بالرجل القوي ( سوبر مان ) و لا نمتلك عصا سحرية تغير الواقع بلمسة ، بل نعمل وفق خطوات مدروسة تحقق لنا الحد الأدنى من آمالنا و أهدافنا ، و ما يداهمنا من أفكار متشائمة فلنقبرها و نحذفها من مخزوننا الفكري ، فهي تصيبنا بالتشويش و تشلنا عن الابتكار و البحث عن الحلول .


error: المحتوي محمي