المعلمون بين ماض جميل وحاضر بئيس!

ولأنني محسوب على المعلمين ربما يرميني بعض قراء ” القطيف اليوم ” بحجر النقد وتطيش سهام بعضهم ظنًا منهم أنني مدافعٌ عن المعلمين كأفراد والحقيقة أنني هنا مدافع عن المعلمين كجزء مهم في منظومة التعليم فتأملوا!
وما أقوله هنا عن المعلمين ينطبق على أخواتي المعلمات وعليكم استبدال الضمائر وتأنيث المذكر في المقال..

اطمئنوا فلن أتغنى بلامية شوقي ” قم للمعلم ” لأن أحمد شوقي نفسَه لو تصدى للتعليم لكان مصداقًا لهذا البيت :
لو جرَّب التعليمَ شوقي ساعةً
لَقضى الْحياةَ شقاوةً وخمولا

بل سأتحدث عن هموم المهنة وسأترك لكم الحكم بعد ذلك وهل يسوغ لبشر أن ينال من مقام شريحة كبيرة تمتهن التعليم وتغذي العقول وتنشئ الأجيال وتربي النفوس وإن دخلها من ليس أهلًا لها فاتخذها وظيفة لا رسالة وأعطى ذوي الألسن الحادة مسوغًا ليوسّعوا مساحة النقد لتعمَّ المعلمين : غثهم وسمينهم ، المخلص في رسالته والمستهتر بوظيفته؟!

بالأمس كان المعلمون سادة القوم ونخبة المجتمع ومنارة شاهقة لهم هَيبة تمتد حتى خارج أسوار المدرسة واليوم أضحوا ” طوفة هبيطة ” ساهم في هدم سورهم مَن يفترض منهم أن يكونوا قلعة تحميهم وحصنًا يذود عنهم فصارت القرارات – وإن كان بعضها جميلًا يرتقي بالتعليم – ولكنها تستبطن التهديد والوعيد وتستنزف طاقات المعلمين وأضرت بمكانتهم وصارت تحمي الطالب أولًا وأخيرًا وتجرّم المعلم وهو متهم حتى يُرى جثة هامدة لا حراك فيها أو مصابًا بالضغط والسكر وهو مقصر حتى ينحَلَ جسمُه ويذهب رسْمُه ..!

بعد كل هذا لا نستغرب أن يتفرعن الطالب وينفخ ريشه ويلاسن معلمه ويتمرد ويتباهى وأن يمضي المجتمع في السخرية بالمعلمين ويعيّرونهم بطول الإجازة والخروج من الدوام مبكرًا حتى شوهوا صورة التعليم والمعلمين وأوصلوا رسائل النقد اللاذعة للوزارة وحين بادرت الوزارة لوضع ساعة النشاط حتى تربط المعلمين بوقت أطول في المدرسة وترضي المجتمع تأفّف الآباء والأهالي وراحوا ينتقدون هذه الساعة فارتد السحر على الساحر!

تسمى مهنة التعليم ” أم المهن ” لأنها حاضنة ومفرخة لبقية المهن ولكن لا أخفيكم أن في هذه المهنة مَن لا يستحق لقب المعلم ويكفيه مسمى ” الموظف ” الذي يستلم راتبه آخر الشهر لحضوره وانصرافه مع جرعة بسيطة من الجهد ليصبّ المجتمع بعدها جام غضبه على التعليم والمعلمين حتى المخلصين منهم وكأنهم هم من جلبوا هذا وأمثاله للمهنة متناسين أن في التعليم من يحمل هموم أبنائهم أكثر من الأسرة نفسها وأن هذا المعلم المسكين يضحي بصحته لحساب أبنائهم وهو قاضٍ في الفصل ومربٍّ ووالدٌ ومسعفٌ وباختصار هو ” معلم ” وكفى.

يا للعجب!

صادفت يومًا ما ولي أمر يعمل في أرامكو وقد أتى للمدرسة ليسأل عن مستوى ابنه وكان حضوره وقت الفسحة وشعر بالضوضاء والإزعاج الكبير بسبب حركة الطلاب فقال لي: ساعدكم الله ..
قلت له : تعودنا على هذا الوضع وأعظم منه عندما نكون داخل غرفة فيها ثلاثون طالبًا ..
فختم حديثه : لو تعطوني أموال قارون ما درّست!

تحية لكل معلم ومعلمة تقرأ هذه الكلمات وشكرًا لكل أسرة أدركت حجم معاناة المعلمين والمعلمات فدعت لهم في ظهر الغيب بدعوة صالحة..


error: المحتوي محمي