ويل وثم ويل لمن اغتاب مؤمنا ميتاً

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله الطييبن الطاهرين .

قال تعالى :-
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيم.ٌ (12) الحجرات

بيانها كما ورد :
عن الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام) في تفسيره : اعلموا أن غيبتكم لأخيكم المؤمن …………. أعظم في التحريم من الميتة ، قال الله عز وجل : {وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} . تفسير الإمام (عليه السلام) : 245 ، عنه مستدرك الوسائل : 9 / 113 / ح 1 ب‍‍ 132

الجنبة الروائية في بيان
اغتياب المؤمن من الكبائر
1) الكليني ، عن الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسين علي الوشاء ، عن داود بن سرحان قال : سألت الإمام أبا عبد الله (عليه السلام) عن الغيبة قال : هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل وتبث عليه أمراً قد ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حد . الكافي : 2 / 357 / 3

وفي حديث آخر أيضاً عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)«مَن إِغتـابَ مُسلِماً أَو مُسلِمَةً لَنْ يَقْبَلَ اللهُ صَلاتَهُ وَلا صِيـامَهُ أَربَعِينَ لَيلَةً إلاّ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ صـاحِبُهُ» يتحدّث فيه عن الأضرار المعنوية الكبيرة للغيبة ويقول: (8).
2 ـ ونقرأ في حديث آخر عن الإمام الصادق(عليه السلام): «مَن رَوى عَلى مُؤمُن رَوايَةً يُريدُ بِها شَينَهُ وَهَدْمَ مُرُوَّتِهِ لِيَسْقُطَ مِنْ أَعيُنِ النّاسِ، وَأَخْرَجَهُ اللهُ مِنْ وِلايَتِهِ إِلى وِلايَةِ الشَّيطـانِ فَلا يَقْبَلُهُ الشَّيطَـانُ»
3) في (المجالس) عن أبيه ، عن علي بن محمد بن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان ، عن نوح بن شعيب ، عن محمد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن علقمة بن محمد ، عن الإمام الصادق جعفر بن الإمام محمد (عليهما السلام) – في حديث – أنه قال : فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً ولم يشهد عليه عندك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر ، وشهادته مقبولة ، وإن كان في نفسه مذنباً ، ومن اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية الله تعالى ذكره داخل في ولاية الشيطان ، ولقد حدثني أبي ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : من اغتاب مؤمناً بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة أبداً ، ومن اغتاب مؤمناً بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما ، وكان المغتاب في النار خالداً فيها وبئس المصير .

أمالي الصدوق : 91 / 3 .

بيان عواقب الغيبة وآثارها الوخيمة الدنيوية والاُخروية حيث يقول:
قال الشهيد الثاني قدس الله نفسه الطاهرة وغيره ممن سبقه من الأعلام : إعلم أنه كما يحرم على الإنسان سوء القول في المؤمن ، وأن يحدث غيره بلسانه بمساوئ الغير كذلك يحرم عليه سوء الظن وأن يحدث نفسه بذلك ، والمراد بسوء الظن المحرم عقد القلب و حكمه عليه بالسوء من غير يقين ، فأما الخواطر وحديث النفس فهو معفو عنه كما أن الشك أيضاً معفو عنه ، قال الله تعالى : {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءاً إلا إذا انكشف لك بعيان لا يحتمل التأويل ، و ما لم تعلمه ثم وقع في قلبك فالشيطان يلقبه ، فينبغي أن تكذبه فإنه أفسق الفساق وقد قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} فلا يجوز تصديق إبليس ، ومن هنا جاء في الشرع أن من علمت في فيه رائحة الخمر لا يجوز أن تحكم عليه بشربها ولا يحده عليه ، لإمكان أن يكون تمضمض به ومجه أو حمل عليه قهراً ، وذلك أمر ممكن ، فلا يجوز إساءة الظن بالمسلم ، وقد قال صلى الله عليه وآله : “إن الله تعالى حرم من المسلم دمه وماله وأن يظن به ظن السوء” فينبغي أن تدفعه عن نفسك ، وتقرر عليها أن حاله عندك مستور كما كان ، فإن ما رأيته فيه يحتمل الخير والشر . فإن قلت : فبماذا يعرف عقد سوء الظن والشكوك تختلج ، والنفس تحدث فأقول : أمارة عقد سوء الظن أن يتغير القلب معه عما كان فينفر عنه نفوراً لم يعهده ويستثقله ويفتر عن مراعاته وتفقده وإكرامه والاهتمام بسببه ، فهذه أمارات عقد الظن وتحقيقه ، وقد قال صلى الله عليه وآله : ثلاث في المؤمن لا يستحسن وله منهن مخرج ، فمخرجه من سوء ، الظن أن لا يحققه أي لا يحقق في نفسه بعقد ولا فعل ، لا في القلب ولا في الجوارح أما في القلب إلى النفرة والكراهة ، وفي الجوارح بالعمل بموجبه ، والشيطان قد يقرر على القلب بأدنى مخيلة إساءة الناس ويلقي إليه أن هذا من فطنتك وسرعة تنبهك وذكائك ، وأن المؤمن ينظر بنور الله ، وهو على التحقيق ناظر بغرور الشيطان وظلمته فأما إذا أخبرك به عدل فآل ظنك إلى تصديقه كنت معذوراً لأنك لو كذبته لكنت جانياً على هذا العدل ، إذا ظننت به الكذب ، وذلك أيضاً من سوء الظن فلا ينبغي أن تحسن الظن بالواحد وتسئ بالآخر ، نعم ينبغي أن تبحث هل بينهما عداوة ومحاسدة ومقت فيتطرق التهمة بسببه وقد رد الشرع شهادة العدو على عدوه للتهمة ، فلك عند ذلك أن تتوقف في إخباره ، وإن كان عدلاً ، ولا تصدقه ، ولا تكذبه ، ولكن تقول : المستور حاله كان في ستر الله عني ، وكان أمره محجوباً ، وقد بقي كما كان لم ينكشف لي شئ من أمره . وقد يكون الرجل ظاهر العدالة ، ولا محاسدة بينه وبين المذكور ، ولكن يكون من عادته التعرض للناس ، وذكر مساوئهم ، فهذا قد يظن أنه عدل وليس بعدل ، فإن المغتاب فاسق ، وإذا كان ذلك من عادته ردت شهادته إلا أن الناس لكثرة الاعتياد تساهلوا في أمر الغيبة ، ولم يكترثوا بتناول أعراض الخلق . ومهما خطر لك خاطر سوء على مسلم فينبغي أن تزيد في مراعاته وتدعو له بالخير ، فإن ذلك يغيظ الشيطان ويدفعه عنك ، فلا يلقي إليك الخاطر السوء خيفة من اشتغالك بالدعاء والمراعاة ، ومهما عرفت هفوة مسلم بحجة فانصحه في السر ولا يخدعنك الشيطان فيدعوك إلى اغتيابه ، وإذا وعظته فلا تعظه وأنت مسرور باطلاعك على نقصه لينظر إليك بعين التعظيم ، وتنظر إليه بعين الاستصغار ، وترتفع عليه بدلالة الوعظ ، وليكن قصدك تخليصه من الإثم ، وأنت حزين كما تحزن على نفسك إذا دخل عليك نقصان وينبغي أن يكون تركه ذلك من غير نصيحتك أحب ظظ من تركه بالنصيحة ، وإذا أنت فعلت ذلك كنت جمعت بين أجر الوعظ وأجر الغم بمصيبته ، وأجر الإعانة له على دينه . ومن ثمرات سوء الظن التجسس ، فإن القلب لا يقنع بالظن ويطلب التحقيق فيشتغل بالتجسس، وهو أيضاً منهي عنه قال الله : { وَلاَ تَجَسَّسُوا } فالغيبة وسوء الظن و التجسس منهى عنها في آية واحدة ، ومعنى التجسس أنه لا تترك عباد الله تحت ستر الله، فتتوصل إلى الاطلاع وهتك الستر، حتى ينكشف لك ما لو كان مستوراً عنك لكان أسلم لقلبك ودينك ، انتهى . رسائل الشهيد الثاني (ط.ق) ص 292 – 294 ،

أما الروايات التي تدل على وجوب رد غيبة المؤمن ، فمنها :
– عن أبي الورد عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال : من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره الله وأعانه في الدنيا والآخرة ، ومن لم ينصره ولم يعنه ولم يدفع عنه وهو يقدر على نصرته وعونه إلا خفضه الله في الدنيا والآخرة . ثواب الأعمال : 299 ، المحاسن : 103 ، عنهم الوسائل 12 /291 / 2 ب‍ 156 .

علينا أخواني جميعا أن نطهر السنتنا وقلوبنا من هذه المعاصي التي لا تغتفر
وعلينا بأن نطهر أنفسنا ونمتثل لقول الله تعالى وقول نبينا محمد صلى الله عليه و آله
كما ورد عنه في مصباح الشريعة : قال النبي (صلى الله عليه وآله) : أحسنوا ظنونكم بإخوانكم تغتنموا بها صفاء القلب ، ونقاء الطبع .

ملاحظة هامه للغاية :-
وليس شرطاً أن تكون الغيبة باللسان، فيمكن أن تشمل ذكر عيبه من خلال الكتابة كما هو الحال في هذه الأيام (عبر وسائل التواصل الحديثة) .

ومن الواضح أنّ المصداق البارز للرواية أعلاه هوالشخص المغتاب الذي يهدف من الغيبة إظهار عيوب المؤمنين المستورة ويعمل على هدم شخصيتهم الاجتماعية واسقاطهم بين الناس، فعذاب مثل هؤلاء الأشخاص عظيم إلى درجة أنّ الشيطان نفسه يستوحش من قبول ولاية هؤلاء ويتبرأ من رفقته وصحبته.

أسأل الله تعالى أن يعصمنا وإياكم من المعاصي والعيوب والفتن ببركة الصلاة على محمد وآل محمد


error: المحتوي محمي