فوق اللهيب

و هما يدخلان في معترك حلبة المواجهة و توجيه اللكمات اللفظية ، لم بفكرا يوما بمدى التأثير المدمر نفسيا و اجتماعيا على أبنائهما ، و هم يستمعون إلى حفل صاخب بكل أدوات الإساءة و تدمير جدارية الاحترام و التفاهم ، فهما بحواراتهما الساخنة يؤسسان لبيت أسري متهر لا يمتلك مقومات الاستقرار و الأمان الأسري ، بل يجد الأبناء في الخروج إلى الشارع بأي شكل – و لو كان مع أصدقاء السوء – مهربا من موجات متصاعدة من المشاحنات .

إن حالة من الاضطراب النفسي لتضرب وجدان الأبناء جراء حالة الغليان و الأجواء الساخنة و الملتهبة و التي نجمت عن حوار انفعالي صاحبه الصراخ و الألفاظ البذيئة ، كما أن القلق من المستقبل المجهول و ما يواجههم من صعوبات جراء العلاقة المتوترة بين الأبوين ، يجعل الأبناء يعيشون في دوامة من اللا استقرار و يخطف منهم حالة الهدوء و راحة البال .

و بالطبع فإن الطيش و التهور من الزوجين لن يوقف سيله الهادر كل توسلات الأبناء بالكف عن هذا التدهور في علاقتهما ، إذ أن نشوة إثبات الوجود و تحقيق انتصار وهمي في كل جولة من صراعهما تعلو على كل الأصوات الداعية إلى وقف هذا الجنون و التصرف الطائش الذي يسلب الأسرة كل مقومات الطمأنينة .

كل صور الأسر المشتتة و الأبناء الضائعين جراء انفصال الأبوين تكون ماثلة أمام مخيلة الأبناء مع و بعد كل خلاف متصاعد، و يعتصرهم الأمل و هم يرون أسرتهم على حافة الانهيار و السقوط جراء تلك المشاحنات ، و أقصى ما يتمنونه أن يتخلصوا من هذا الكابوس المزعج الذي يحرمهم من الاتزان النفسي .

كما أن حالة التناقض و السقوط القيمي التي يعيشونهما تؤرقهم و تعصف بكياناتهم ، فما يتلقونه من المؤسسة التعليمية و الدينية من ضرورة إمساك النفس عن التفلت جراء الغضب ، و التحذير من الدخول في حوارات صاخبة و التلفظ بالتعابير المسيئة ، يرون ما هو مناقض لها تماما في وسط أسرتهما و من أعز الناس عليهما و هما والداهما ، فبأي أسلوب أو طريقة يتعاملون مع الآخرين ، بما يتلقونه من توجيهات نظرية جميلة أم بتعامل أبويهما اللاهب ؟!
على الأبوين أن يتذكرا هذه المسئولية الجسيمة التي تكفلا بها ، و هي تربية أبنائهما وفق أسس تنموية في شخصياتهم ، و العمل على إبعادهم عن كل المؤثرات السلبية التي يمكنها أن تعيق اندماجهم الاجتماعي الإيجابي و الفاعل ، فكثير من القضايا أو الأفكار المطروحة على بساط النقاش لا تستحق منهما كل هذا الانفعال المؤدي لتدهور علاقاتهما بشكل تدريجي ، و عليهما التخلي عن أسلبوب العصبية و الانفعال العالي غير المحقق لشيء سوى الندم و الخسارة و الخيبة .


error: المحتوي محمي