في الطريق إليها أستحضرت مخيلتي صورتها الأخاذة وهي مختبئة متغلغلة وسط سيحة من البساتين الغناء والنخيل الفارعة التي لطالما روتها بكرمها الباذخ على مدى مئآت السنين ربما يصل إلى حد الإسراف .
أخذ شريط الطفولة والصبا يلف أسطوانة الذاكرة التي أفل نجمها وملئت مساحتها شؤن الحياة وشجونها.
ها هي صورتها وزرقة وغزارة مياهها المتدفقة والطرق الزراعية المتعرجة المؤدية لها ماثلة أمامي أراها رأي العين ، وكأني أسترجع فيلما وثائقيا مسجلا .
تذكرت أيام قضيناها برفقة الأصحاب والخلان ونحن نطامر في مياهها العذبة للترويح عن حرارة القيض اللاهبة .
ما أن أقتربنا من مدفنها حتى أنتابني شعورا أننا على بعد مرمى حجر منها …
كيف ذلك و ليس هناك ثمة دلالة أو علامة عليها !!!
قلت لرفيقي ونحن نسير في ذلك الشارع الغير منتظم الذي يقع في نهاية العمران ….أظن أن العين هنا ….رد علي صاحبي : لا شيئ واضح ….معقولة صارت ” أم عمار ” أرض وأقيم عليها بيت ؟
قلت له يارفيقي كل شيئ وارد…!! لكن إحساسي أننا بجانب ” أم عمار ”
الشارع فارغ إلا من ذلك الرجل المتجه صوبنا …توقفنا بجانبه وأقترب هو منا…
سألناه …يالطيب ..أين مكان العين ؟
تقصدون : عين إم عمار ؟
نعم مقصودنا عين أم عمار …وهل في هذه السيحة عين غيرها ؟
قال …وصلتو خير …العين جارتي
أوقفو سيارتكم وتعالوا معي .
ترجلنا من راحلتنا…بعد السلام و الترحاب و التعارف …قال لنا الحاج ابوخليل هذا هو مكان عين ” أم عمار “وأشار بسبابته إلى حديقة صغيرة تلاصق منزله وقد زرعت بالعشب وبعض الشجيرات حفاظا على مكانها من التعدي وعبث العابثين . وقد تعهدها الرجل مشكورا بالسقارية والرعاية وفاء وتقديرا منه ” لأم عمار ”
فبعد أن كانت تروي ” أم عمار ” الساحات والبساتين في كل إتجاه .. هاهي ” أم عمار ” تروى ” بهوز نص إنش ” فقط لتبقى على قيد الحياة شكلا بعد أن قطعت شرايينها وأوردتها قسرا..قسرا .
بحسرة وغصة أخذنا سويا نستذكر جمال ” أم عمار ” وزرقة مائها وحلاوة جداولها المتطمطمة بمياهها العذبة تسقي بساتين ساحات الحلة وأطراف الشويكة .
أنتهى اللقاء …كما أنتهت ” أم عمار ” وغدت أثر بعد ” عين”