مقالة ترفض التصفيق

صباح الخير أقولها بسرعة وبعفوية, تلك التحية السحرية التي تفتح أبواب يوم جديد, تنهدت بضيق ونظرت إلى الساعة الحائطية الرابعة فجرا, وعقارب الساعة تتحرك ببطء حيث لم يغمض لي جفن طيلة الليل مستسلمة للأرق, وأتساءل متى أسمع صوت المؤذن لصلاة الفجر لأبدأ يومي, وأتوقعه يوما عاديا بليلة صاحبها أرق,قد يمنحني زمنا جديدا مهيئا لحلم على أثره سأكتب عن الليل, وليس لي غير الليل الصامت بأفكار معتقة تدفعني للأعماق.

في لحظة سكون اكتب ما في داخلي من أفكار عاشت طويلا, ولم يخطر لي يوما إن الورقة أسيرة قلمي وعلى بياضها أكتب والكلمات تتلاطم بداخلي, ومع بزوغ الفجر لا زالت قهوتي تلهبني وتداعب مذاقي وتدفعني لأرتشف كوبا منها, حيث كنت منهكة و مفزوعة, أبحث عن استرخاء لتسكن نفسي الثائرة وكل زوايا الأرق بداخلي , صحيح إنني شربت أكبر قدر ممكن من القهوة حتى صار برصيدي ما يعادل نصف عمري, ولا زلت أضعف أمام قهوتي ولا زلت على عهدي أن تكون القهوة محور مقالاتي فليعذرني البعض من القراء.

عن أي ديمقراطية أتحدث دون شراء الذمم الله اكبر على إحساسي, حيث في داخلي عشق خاص وحتى هذه الساعة ما زلت أهيم بهذا العشق, أدرك تماما إن ثمة تغيير في الوعي لبعض الناس, حيث لا يتم عبر مقالة أكتبها هنا وهناك, وهي على روعتها سوف تنسى مع الزمن حيث إن الوعي لا يتبدل بمقالة, وعفوا فإننا لا نزال نكتب, وهكذا أشعر إن مقالي أقل ما يقال عنه إنه يرفض التصفيق.

تربيت حرة وجريئة مقارنة مع بنات الحي, وكنت منذ صغري من عشاق القراءة وكان شقيقي الأكبر يضع في حوزتي الكتب والمجلات, و ذلك تشجيعا لي على القراءة, منذ مرحلة مبكرة وأعتبر ذلك امتيازا لي, حينها تستبد عندي الرغبة بالاحتفاظ بالكتب لأطول وقت ممكن, تمكنني من قراءة كاملة لبعض الكتب التي في حوزتي.

لم أدرك يوما إنه ستصادفنا مفارقات في الحياة من منافذ غير متوقعة حيث أصبح كل شيء يدعوا للحيرة, ما أقبح مجرد التفكير في وصف الوفاء على قارعة الحياة , أقف وأنا أتحدى عقارب الساعة البطيئة أحاول أن ابتكر مجازات للقارئ حين يترجل صمتي, حيث لا مكان للوجع في قلبي رغم الحزن هو قمة الشعور الإنساني, فهي العاطفة التي تشجع على الإبداع, الذي يولد ويترعرع في رحم المعاناة والألم ومن خلاله استشف الفكر والخيال والثقافة بل الحب.

بعيدا عن الأضواء وبعيدا عن الكلمات المنمقة وبعيدا عن كل الأسماء التي اعتلت المنابر أحاول أن اصمت, ومع صمتي تستوقفني بعض الرموز في مقالاتي لأسترجع أنفاسي وللدخول مع ذاتي, أشعر بانجذاب لبعض الكتاب فكلما أقرأ لأحدهم, أجد أصابعي تبحث عن قلم لتفرغ ما في جعبة العقل, حيث لا حصانة للكتابة وأيضا أنا لا أحاول مداهنة أو إقناع القارئ بما اكتب, أرغب أن يأتي صوتي خفاقا من حضن فكري ليضيء مسافة القارئ.

حين الشعور بالعجز الذي ينتابني كلما نظرت إلى حال الناس وما هي عليه من تفكك فأسرح في أحلامي, فالحقد إذا توغل في قلوبنا لن يزول بجرة قلم, أعلن بأني لن أكتب شيئا وأنا أداوم بحرقة عما يخالج نفسي المتمردة عن واقع الناس والأفعال من حولي, دعوة هنا للتسامح والتسامي حيث هناك قول مأثور” لو تكاشفتم لما تدافنتم” فالتسامح تلك الصفة السماوية نحن اليوم أحوج ما يكون إلى خلق التسامح أكثر من حاجتنا للعبادة دون أدنى مبالغة مني, طوبى للذين يصنعون السلام في تسامحهم.

حين قدم لي زوجي القهوة في فنجان من الورق قد أعادني بالذاكرة في مشهد مختلف, يزيد عمره على عدة سنوات نزف قلبي وأنا أشعر به, دون أن أنكر إن هناك شذرات من حياتي الشخصية ومعاناتي وطموحاتي في كل مقال اكتبه, ولكن ما زالت هناك أسئلة حائرة وعلامات استفهام كثيرة حجمها كبير بالحلق يخنقني ويظل معلقا بلا إجابة, جعلتني أنا وقلبي في مأزق أمام عقلي الذي أتعبه الواقع وتزيد مساحتها وتتداعى بداخلي.

حين أسمع رنين هاتفي للسؤال عني أتساءل: ألا يزال هناك أصدقاء يتذكروني؟ ولمن أحمل زاد الحكايات والذكريات؟ والحكاية على بساطتها تثير شجونا لا تنتهي, عبثا أستعيد الوجوه أو الملامح لكني أعي تساؤلي, هناك أماكن وأزمنة وشخصيات مرت في حياتي شكلت شخصيتي وفكري, وشخصيات لها ذكريات في قلبي تأثرت بها أحببتها وما زالت داخلي,حتى المكان والزمان ارتبطت بتلك الشخصيات,عندما أتذكرها الآن تدخل على نفسي السعادة.

حينها لن احسد قلمي حيث كان مقالي على عتبات الحرف واقفا, يتربص بذاتي المرهفة دون أن ينتظر تصفيق الآخرين لعدم أهميته للبعض , أدرك تماما إن المقالات هي من تكتبني وتسكب الجمال والصدق على بياض هذه الصفحة, رغم ما تتطلبه جرأة استثنائية للبوح بما ينتابني حيث يحتلني احترام ذاتي معتق, سأعترف لك الآن رغم عدم اضطراري لهذا الاعتراف, وهو عندما نصل إلى مرحلة احترام أنفسنا وغيرنا وأن نكون قدوة للآخرين, فلن يجرؤ أحد بالتطاول والتجاوز علينا,و عندما أهدي شخصا ما أحبه ورودا أو عطرا حيث الورود تتقيأ العطر ذاته,ولكن حين أهديه مقالا كأنني أهديه جزء من روحي,فالحب والاحترام لغة غريبة مثل لغة الورد والعطر نشعر بها ولا يمكننا تفسيرها.

هنا أعلن يا قطيف الكون أن تغفر لي أن أسأت التعبير عنك وعن اهلك, حيث إنني في كل مرة أكتشف فيها حقيقة بيضاء أتعامل معها بحب فاضح, وليس لي وطن غير القطيف ولا يمكنني إلا أن أغني لها, حيث كل ما نملك تحت سماء القطيف ولأجل القطيف, وكأني أبحث عن جواب ما لسؤال يسكنني ,القطيف أنا وأنا القطيف معادلة كنت أحملها داخلي ولا زلت, هكذا صوتي يحب القطيف, ونحن بحاجة لكل أقلام القطيف, وليكن قلمك يخدم هذه الأرض الطيبة ويخدم الإنسانية , لعيون القطيف أنا هنا وفي ربوع أرضي يسكن قلبي رغم إن الكلمة لا تكفي كي تبني قطيفنا.

صباح آخر من صباحيات القطيف أعود لمكتبتي, متأملة طيور الحمام وهي تحط وتطير من على نافذتي, أحاول أن أشرب فنجان قهوتي الذي لا زال على حاله لكنه شبع برودة عدة مرات أمسكه دون ارتشافه. داعية لك يا قارئ العزيز لتمنحك السماء سعادة وهناء, وليغزو الربيع قلبك فتشرق الحياة مرة أخرى, وإن لفحني البرد بقسوة خرافية, أدرك إن هناك لا تزال طيور جريئة تطير دون قيود, وبأعلى صوتي أفيدك يا قطيف.


error: المحتوي محمي