
الإبحار في دنيا الشعراء، الشرفات الضوء، استجلاء البيئة الإبداعية بكونها ثقافة تستفحل إبداعًا، هي إغراء الشغف في عناق خيوط الشمس الهاربة من النافذة، لتستوطن اليراع في امتداد رحلة «القطيف اليوم»، في دنيا شعراء محافظة القطيف، ترخي أحرفها بين ضفتي الشاعر ” هادي رسول ” ، في حوار يأتي ارتشاف ماء الكلمات بحضرة الشعر والشعراء سيمفونية تمنحنا الإنصات.
بين الشاعر هادي رسول أن كل فعل جمالي يمثل مصدرًا للإلهام، وباعثًا للكتابة، مؤكدًا بأنه بوابة الإلهام الأوسع.
وقال: إن التأمّل هو نافذة الشعر الأوسع، والحقيقة في الشعر هي النبوءة التي يستلها خيط الإلهام الرفيع من فضاءات التأمّل الكونية.
س: عرفنا على بطاقتك الشخصية والأدبية؟
ج: هادي رسول من مواليد القطيف 1983 م، بكالريوس تربية تخصص فيزياء، عضو مؤسس تمائم أدبية بالقطيف. شاركت في برامج إذاعية وتلفزيونية ونشر لي في الصحف السعودية وبعض الدوريات والمواقع العربية، كذلك العديد من الأنشطة والمؤتمرات والفعاليات الأدبية داخل المملكة العربية السعودية وخارجها.
س: حدثنا عن بداياتك في معانقة اليراع شعريًا، وماهي السبل التي تطور من الشاعر في ما يُعنى بالتعلم الذاتي؟
ج: كبداية كنت أكتب بعفوية بسيطة جدًا، كان ذلك في المرحلة المتوسطة، استمرّت بعد ذلك للمرحلة الثانوية، لم أكن ملتفتًا حينها أني أمتلك موهبة الكتابة، ولم أعِ أن ما أكتبه يعبر عن خامة قلم قابلة للتطوير، جاءت المرحلة الجامعية وبدأت قراءتي للكتب تتطور وبدأت أشعر تدريجيًا بمفاعيل القراءة وتأثيرها على مهارات الكتابة إلى أن أدركت وأنا في مراحل دراستي الجامعية الأخيرة أني صاحب موهبة حقيقية ويجب أن تأخذ دورها الطبيعي في الخارج.
س: لكل شاعر ثمة ملهم، أين بوصلة الإلهام لديك؟
ج: كل فعل جمالي هو مصدر للإلهام، والتأمّل هو بوابة الإلهام الأوسع.
س: لكل شاعر نافذته التي يعانق من خلالها الضوء، ليرتشفه ولادة قصيدة، أي نافذة في دنياك تجعلك تحيك قصيدتك، لتكن الشهوة، الإغراء؟
ج: التأمّل هو نافذة الشعر الأوسع، وكما يقول إبراهيم الكوني (التأمّل رسول وحيد للحقيقة)، والحقيقة في الشعر هي النبوءة التي يستلها خيط الإلهام الرفيع من فضاءات التأمّل الكونية.
س: اللحظة الأولى، هل ثمة انفتاح الأفق أم مزدحمة بالحجب، أي العلاقة الأولى بين الشاعر وقصيدته، أهي موعد لقاء كظل عشيقة تأتي خطواتها على مهل، تنعشه الكلمات والمعنى أو صدمة شعرية، تجعله يبحر في أغوارها، لتهديه القبلات أحرفها؟
ج: لا موعد خاص مع الشعر، هو يأتي هكذا بغتة، ولكنه ليأتي بغتة لابد من عمليات الإحماء ” القراءة والقراءة والقراءة “. أن تقرأ التجارب الأدبية باستمرار وتنفتح على الفنون، وتشرع نافذة على الفكر وتقترب من ساحل الفلسفة، ما عليك إلا أن تكون متهيئًا على الدوام لاستقبال نص أدبي، يهطل من الغيب، ليخفف من ثقل الروح ويُعيد إليها توازنها.
س: ماذا تعني لك الدهشة الشعرية في القصيدة؟
ج: الدهشة هي تلك الحالة التي تشعرك بسريان الكهرباء في جسدك، وأنت تكتب النص، ولن يشعر بها المتلقي إذا لم يشعر بتدفق سريان تيّارها الشاعر لحظة انهمار النص.
س: من الذي يقوم بمراسيم الضيافة، الشاعر أم القصيدة ضيافة الشيء واللاشيء لتكون شيئًا؟
ج: ليس من مراسيم ضيافة، إنها لحظة تحليق من النص ولحظة اقتناص من الشاعر، لحظة تمر خاطفة سريعة، إن أمِنت اللحظة للشاعر وقعت في فخه وتمكن من اقتناصها، وإن لم تأمن لحالته لم تثق به وخسرها وتبددت وتلاشت، فيقعد ملومًا محسورا. إن أفضل ما يمكن أن يقتنص به الشاعر اللحظة الشعرية هو تحفيز اللاوعي.
س: أين تكمن المسافة ما بين القصيدة والتغيير الاجتماعي والثقافي والعاطفي، أتكون القصيدة تحمل رسالة ما أم تأتي ذاتية لتعبر عن المشاعر استلطاف اللحظة الشعرية ومتعتها؟
ج: ليس من مسؤولية النص إحداث تغيير واقعي وإنما وظيفته الإثارة الجمالية وتفعيل دهشة اللغة، الشعر أفق مفتوح الدلالات وليس خطابًا اجتماعيًا أو بيانًا سياسيًا موجهًا . الشعر .. ما الشعر ؟ إنه السؤال الصعب ..، و لن نعرف إجابته، لذلك نحن نعبر مسافات اللغة كي نبحث عنه، وهذا العبور يمنحنا فرصة جمالية مضنية في تعقّبه وفي وصفه، كل شاعر حسب فهمه وتجربته في قطع المسافات.
س: هل القصيدة الشعرية تمثل تفريغًا بكنه الشاعر، ليبدي استشراف خصوصياته للآخرين، ليشعر بالانتماء مع الآخر، بالتوأمة الاجتماعية، بكونه عنصرًا من عناصر تكوين المجتمع؟
ج: القصيدة شيء يشبه الانفعال، والإنسان كائن منفعل، لذلك هو كائن اجتماعي، وانفعالات الإنسان تمثّل جزءًا من تفاعله مع محيطه، والنص جزء من هذا الانفعال.
س: هل استطاعت القصيدة الشعرية ترويض الأشياء من حولنا، بعثها كرغوة، كاشتهاء الأمكنة والأزمنة، أتكون رحلة تاريخية تستفحل ذواتنا عشقًا، تغرز فينا كل شيء، الذي نبصره ولا نبصره؟
ج: القصيدة المتمردة فقط هي من تستطيع فعل كل شيء. ولا يمكن أن نعوّل على شعر لا يتمرد. ولعلي لا أوافق على مفردة ترويض كدور للقصيدة، وأستبدلها بمفردة تثوير. النص الشعري الحقيقي قادر على إحالة الهامش إلى متن، واستدعاء الغيب، والتحكم بالزمان وجلاء المخفي. النص الشعري الحقيقي هو الذي يستطيع التثوير لا الترويض، حيث في تثوير اللغة والصورة والإيحاء والرمز والشكل الفني والرؤيا والتلقّي الإبداعي، ولن يتحقق ذلك إلا برؤيا ناضجة، يملكها الشاعر لا برؤية سطحية محدودة.
س: في كتابتك القصيدة، هل تضع القارئ في بوصلة امتداد أروقتها أم تدخله التيه بعيدًا عن شرفاتها، معتبرًأ – القصيدة -، فتاة عذرية لا ينبغي كشف وجهها إلا بعد عقد قرانها؟
ج: كنت في بداياتي القريبة أستحضر المتلقي في كتابة النص، إلا أنني بعد نضج التجربة لم أعد أستجدي رضا المتلقي، إنني أعبر عن ذاتي بالطريقة التي أفهمها للشعر وأحبذها للنص، رضا المتلقي عن النص من عدمه، إنه لا يمثل لي هاجسًا حقيقيًا لحظة الكتابة مادمت أشعر أن النص استطاع أن يثير دهشتي، كشاعر أولاً، وينحاز ثانيًا نحو جهة اللغة في تجربتي الخاصة.
س: الحالة الشعرية تجيء بكونها حالة تأمل الإصغاء لعزلة الشاعر واقعًا اجتماعيًا، إن كان أو عزلة ذاتية الانقطاع عن الآخر، لحظة توحد مع الذات، الأفكار والأمنيات، الأحزان منها والأفراح، الومضات، هل منحتك القصيدة ذلك أو ما يشبهه؟
ج: لعل أفضل إجابة لدي على هذا السؤال، هي ثلاث جمل للروائي الليبي إبراهيم الكوني وأجدها تمثّلني، يقول: “إن أول قدر في رحلة الأدب، هو العزلة “، ويقول: ” الأدب يستقيم بالخلوة “، و يقول أيضًا: “الأدب سليل الحلم، والابن الشرعي للتأمل “.
س: ما رأيك في المنتديات الأدبية في المنطقة، وهل ثمة حضور للجانب النقدي فيها أم تراه في التيه يقبع؟
ج: هناك نشاط جيّد للملتقيات الأدبية في المنطقة، وآخذ في النمو والاتساع، لكني أعيب عليه تكرار الأنشطة المتشابهة والإكثار منها، أما النقد فحضوره خجول جدًا و يكاد ينعدم. إن غياب النشاط النقدي في الفعاليات الأدبية وندرة الكتابة والتأليف فيه على مستوى المنطقة جعل الكتابة فعلاً هستيرياً، ولاحظنا استسهالاً بالمنتج الأدبي وإسهالاً في النشر والتأليف.
س: البيئة الشعرية لدينا، هل تعاني من الشللية، وما مدى فاعلية الشللية في المنتج الأدبي؟
ج: الشللية سلاح ذو حدين، الشللية إن وجدت لتحقيق مشروع فاعل على أرض الواقع فهي ناجحة، حينها لن تكون هذه الشللية منكفئة وإنما متواصلة ومنفتحة على أشباهها من التجمعات الأخرى. ما نعيبه على الشللية، الانكفاء على المجموعة، وتبهير منجز أفرادها وتضخيمه أكثر مما يستحق. لا يعني أني أقصد أن لا تساهم الملتقيات في الترويج لمنجز مبدعيها، ولكن بموضوعية ولا تسرق حكم المتلقي بأحكام وأوصاف مسبقة، هائلة من التضخيم ثم يكتشف المتلقي لاحقًا أنه تم خداعه بأوصاف قد مُنحَت للمنجز، وهي غير واقعية.
س: القصيدة حين تكتب لتلقى، والقصيدة التي تكتب لتقرأ هل بينهما اختلاف أثناء الكتابة؟
ج: القصيدة تُكتب لتُكتب أولًا وثانيًا وأخيرًا، أما تلقّيها كقراءة أو استماع، هو فعل مشاركة جمالية من الشاعر والمتلقي.
س: هل تجد أن الاطلاع على التجارب الشعرية للمجتمعات الأخرى الغربية، تضيف للشاعر العربي، وتطور من أدواته ومهاراته الكتابية؟
ج: أجد من الضروري جدًا على الشاعر الجاد أن ينفتح على التجارب الأجنبية، وإن لم يكن يمتلك لغة أخرى، عليه أن يقرأ ما كُتب مترجمًا من الأدب العالمي شعرًا وسردًا و نقدًا. إن الانفتاح على آداب الشعوب والمجتمعات الأجنبية والغربية، يوسّع من تجربة الشاعر، لا سيما وأن النظريات النقدية الحديثة، تطورت في الغرب وأضافت إلى الأدب العالمي وطوّرت من أدواته وأثرت في أساليب الكتابة الأدبية.
س: صدر لك ديوان شعري صوتي، ممكن تضعنا في هذه التجربة ومدى تقبل المتلقي لها، وهل تجد بأنها تصقل الذائقة الشعرية لديه؟
ج: كانت تجربتي الصوتية مغايرة عن المألوف في الدواوين الصوتية، اخترت أن يكون أدائي في الإلقاء ممسرحًا ومتأثرًا بتشكلات الموسيقى التصويرية، لحضر البعد الدرامي في النصوص بكثافة مشكلًا لوحات تصويرية، شكلّت قبولًا إيجابيًا ملفتًا من المتلقي بمختلف فئاته وأطيافه. إن الإلقاء الشعري الدرامي والممسرح استطاع أن يتحوّل إلى عمل مسرحي نفذه باقتدار المخرج المبدع ماهر الغانم. كنت أظن أنه سيلقى إعجاب الجمهور النخبوي، لكني دهشتي اتسعت وأنا أرى المقطوعات الشعرية لـ” مخط القلادة “، تلامس النخبة والعامة ويتفاعل معها طفلَيَّ الصغيران ويحفظان منها، وهما لم يتجاوزا السادسة رغم أن البناء النصي واللغوي ليس سهلًا بسيطًا. كذلك كتب أحد الفنانين عن مدى انسجام العمل مع رؤيته الفنية في التصوير الضوئي وأن – مخط القلادة – ، هو عمل مفاهيمي بامتياز. الأمر الملفت أن ابنه الذي لم يتجاوز الحادية عشر انسجم مع الأداء الصوتي للعمل وتلقاه تلقيًا جماليًا وفق دهشته العمرية. الجمهور النخبوي تلقى العمل تلقيًا إيجابيا بالغًا، وأفردت صحيفة العرب اللندنية حوارًا معي، يتعلق بالتجربة بشكل عام و- مخط القلادة -، الصوتي بشكل خاص.
س: هل لك اهتمامات أخرى، بجانب الشعر من الفنون الأدبية، كالقصة بألوانها والرواية الأدبية، المسرح والسينارست؟
ج: اهتمامتي للفنون الأخرى لا تتجاوز المتابعة. مهتم بمتابعة الدراما والسينما والموسيقى. كان لي اهتمام بعزف الموسيقى ودرست دورات مبسطة في قراءة النوتة وعزف الأورغ، لكن إتقان العزف، يحتاج إلى تفرغ كبير من أجل التدريب المستمر، لذلك لم أنجح كعازف، لكن أعتقد أن اهتمامي الموسيقي السابق أضاف لذائقتي الفنية وأضاف لي إحساسًا جماليًا للحياة ومنحني على الأقل ذائقة تحليلية نقدية بسيطة لما يمكن أن أسمعه وأتخيله موسيقيًا.
س: هل صدرت لديك أعمال شعرية، إنجازات، ماهي؟
ج: صدرت لي مجموعة شعرية “نبوءة الطين ” ٢٠١٣ م ومجموعة شعرية صوتية “مخط القلادة ” ٢٠١٦ م .
* حققت عدة مراكز متقدمة في عدة مسابقات أدبية :
– المركز الأول في مسابقة مركز النور للدراسات و الإبداع بالسويد – فرع شعر التفعيلة – مهرجان بغداد ٢٠٠٩ م .
– المركز الأول في مهرجان أبي تراب للشعر العربي الفصيح – البحرين – ٢٠١٣ م.
– المركز الثالث لمسابقة رئة الوحي العربية ٢٠١٤ م.
– تكريم العتبة العباسية في العراق لجائزة الجود للشعر العمودي ٢٠١٥ م.
– المركز الثاني في مهرجان أبي تراب – البحرين – ٢٠١٦ م.
– المركز الأول في مسابقة راشد بن حميد للثقافة والعلوم في إمارة عجمان في الإمارات العربية المتحدة ٢٠١٧ م.
س: كلمة أخيرة لك، ماهي ولمن توجهها؟
ج: ليس لدي كلمة لأحد.
س: إذا ممكن، تتحفنا ببعض كلمات من بساتين قصائدك الشعرية؟
– نص عمودي
ماردًا ماردًا تقومُ الظلالُ
غائبًا غائبًا تجيء الرمالُ
ضاق دربُ الحُداةِ و ارتدّ خطوٌ
طال وهمُ الصدى استطالَ المُحالُ
وانثنى في اليراع حُلمٌ نبيٌّ
قيدته الأوهام و الأقفالُ
أينَ؟ مَن؟ كيفَ؟ هل؟ متى؟ كم؟ ولِمْ؟ أمْ؟ ولماذا؟ وما؟
وضاع السؤالُ
ما جنيتُ الرؤى إذِ الوقتُ شوكٌ
والمدى حاصدٌ ووهمي سِلالُ
كنت ما يشبه الحياةَ و خلفي
يركضُ الموتُ تُشحذُ الأنصالُ
كنت وحدي أمشي وما كنتُ وحدي !
كان يمشي معي الهوى والضلالُ
قطعة تفعيلة
قد عبرنا شهقة الجرح
ولا ظل لنا يستبق الوقت إلى وقع خطانا في شظايا الكلماتْ
وتعرّى الرمل في غيبوبة الرؤيا
يزيح الماءَ عن نافذة الغيمِ و أوتارِ الحياةْ
قد تدلّى الدمُ من مسرى براقِ الرمح يجلو غيهبَ الليل يضيءُ الموت في الدربِ على نزف الجهاتْ
كلما ألهبنا السوط نزعنا جلدنا
يزداد فينا السوط إيغالاً
وتستاف السكاكين دمانا
في ارتعاش السنواتْ
ها هنا نفتح أبواب المسافات
وكنا قد تعلمنا بأن نحبوَ حزنًا في رصيف العبرات
ينتهي الدربُ ولا يفنى مسيرُ الندبِ
لا تفنى خطانا
كلما تعبرُ فينا الطفّ تنمو اللحظاتْ
ووهبنا جرحنا الغيبَ إذا ما احتضر الغيب ومات!
نص نثري
ظلك الآن في الخابية
حلمك يتكئ على جدار الغفلة
أسماؤك رغيف الأسئلة
أصابعك ممهورة بدم الليل وأرق النسيان
كلما وضعت يدك في وعاء الدهشة
نهشتها أسنان العقل
أنت المدعو على مائدة الريح
اجمع فراشاتك …
واخلع قميصك قبل أن تنال منك العاشقة وهي هاربة في المهب!