كثيرا ما تبهرنا المظاهر المادية من مال و جاه يتمتع به الغير ، فنظن أنه امتلك جماع و كمال راحة البال و سعادة النفس ، فليس هناك ثمة شيء يمكنه أن ينغص حياته و يقض مضجع راحته و سروره ، فأي مشكلة يواجهها يمكنه أن يجد لها حلا سريعا و سهلا بما يمتلكه من مقدرات القوة و المكنة ، و هل مشاكل الناس في مجملها – كما يرى – بسبب قلة المال و عدم القدرة على توفير سبل الحياة الكريمة و مظاهر الرفاهية ، او بسبب الافتقار للوصول إلى الأيادي المتنفذة التي يمكنها معالجة العقبات في وجهه ، هذه خلاصة العجز و التنغص ؟!
وجهة نظر للسعادة و الهناء قديمة تتجدد مع بلى و ضعف التفكير الواعي للإنسان ، فطالما وجه نظره تجاه الخارج محملقا فيما حوله من مظاهر لا تدوم ، و معاقد عز لم تصنع يوما بسمة على شفاه من يعانون ضنك النفس و ضيق الحياة لما يواجهونه من مكدرات ، و لعلها كانت سببا لشقائه و بؤسه .
السعادة الحقيقية قرار ذاتي يكمن في دواخلنا نتخذه مهما واجهنا من ركام يبعثر الفكر و يشوشه للحيظات و سرعان ما يزول عند من يعقل ، نعم ، فالمال وسيلة للوصول إلى تحقيق ما نصبو إليه ، و لكن القناعة الساكنة في الوجدان هي سر راحة البال ، فيعمل المرء بقدر ما يمتلكه من وسع و طاقة ؛ ليصنع الابتسامة في لحظة القهر و الحرمان ، و يهدأ باله مع ما يعانيه من ظروف صعبة ، لأنه بكل بساطة اتخذ قرار بأن يعيش سعيدا لا يزعجه مجريات أمور عاصفة ، فهو مقتنع تماما بما يقوم به و يطمح للمزيد إن أمكن .
و يمكن للنظرة الضيقة للحياة بمفهومها البراق من زينة و زخرف ، أن تبقي النفس ملازمة للكدر و الهم مهما حصلت عليه من مقدرات مادية ، للشعور بالطمع بالمزيد و ما تخلقه في النفس من اضطراب نفسي من المستقبل يزداد كل يوم ، و تنقلب موازينه ليعيش حارسا لماله و جاهه مهما خالف من قيم و قوانين .