نجد البعض يطفح على علاقاته كل علائم التسخين و الخلاف و الحوارات الساخنة و الكلمات المتفلتة ، أفلا يشعر هؤلاء بأهمية الهدوء للحفاظ على استقرار العلاقات و استثمارها ، بدلا من الاتجاه إلى الانفعال الدائم المرهق لنفوسهم ، و الذي بسببه يخسرون كثيرا علاقاتهم الأسرية و الاجتماعية ؟
لا يوجد من عاقل لا يدرك أهمية إبقاء علاقاته بعيدا عن الاضطراب ، إذ البعد الاجتماعي يحتم علينا امتلاك الحكمة و الوعي المفضي إلى احترام الآخرين و تجنب الوقوع معهم في أزمات و مشاكل ، تتميز بأنها ترهق النفس و تستنزف الجهد و تبقي هذا الفرد المتوتر منبوذا يتجنب الآخرون التواصل أو مجرد الحديث معه ، لما يخشونه من تحول النقاش إلى مشاحنات لا يحمد عقباها .
تتعدد أسباب العلاقات المتوترة و ما يجمعها هو افتقاد الحكمة و النظر الحصيف في عواقب و نتائج المواقف و الحوارات ، و يتميز هؤلاء بعناد كبير و تزمت لا يمكن لهم معه مراجعة مواقفهم أو محاولة إصلاحها و تقديم الاعتذار ، بل يتنقلون في كل يوم من مطب لآخر ، و لا يتحرز من الوقوع في آخر مستقبلا لافتقاده لاستشعار ارتكاب الخطأ .
الحماقة في اتخاذ القرارات و المواقف يحذوه نحو تصويب دائم لسهامه المسمومة ، و يتماز بالتكبر فلا يقيم وزنا للآخرين و لا يراهم إلا أقزاما و ضعفاء ، لا يمكنهم أن يتخذوا تجاهه ردة فعل مؤلمة ، و لذا يستمر في غيه و إساءته لا تتوقف ، فالتهور الذي يتملكه لا يوقفه عند حد معين من إهانة الغير أو تجاهله أو السخرية منه .
نحتاج إلى ثقافة حقوق الغير يمازجها الرشد و الحكمة في مفردات تربية أبنائنا ؛ فكثير من المشاكل الزوجية و ما يقع بين زملاء العمل و الدراسة و الجيران من خلافات ، يرجع إلى سبب مهم و هو افتقاد التروي الذي سرعان ما يشعل فتيل المناكفات و الخلافات المتصاعدة ، فيصيب العلاقات بالضعف و الترهل المنتهي بالقطيعة ، فلو تصورنا الخلاف المتأجج كنار مستعرة تحرق كل ما حولها ، لتجنبنا كل السبل الممهدة لها من كلمات قاسية و قرارات متسرعة و تصرفات طائشة هي وليدة لحظة انفعال و تهور كنا نخال منها تحقيق انتصار وهمي ، فعادت علينا بالوبال و الخيبة التي لا ندرك مداها و خسائرها الهائلة علينا و على الآخرين .
التواصل الاجتماعي الفعال له تأثير إيجابي كبير على توسعة مداركنا العقلية ، فتبادل وجهات النظر و الحوار الهاديء يكسبنا الحنكة و الوعي و النظرة الواقعية للأمور ، كما أن سلامة الصحة النفسية ترتكز على علاقات هادئة تكسبنا الود و احترام الآخر ، فنشعر حينها بقيمتنا و وجودنا المجتمعي .