في السطور التالية، محاولة لعرض مظاهر مشكلة قديمة جديدة متجدّدة، وهي شكوى طلبة المدارس وأولياء أمورهم من عدم تجاوز مادة الرياضيات بنجاح، أو تجاوزها بنتيجة متواضعة لا تُرضي طموح الأقطاب الثلاثة: *معلّم المادة، والمتعلّم، ووليّ أمره.*
وكلّ قطب من هؤلاء يُدلي بدلوه في أسباب نشوء المشكلة، والاجتهاد في تقديم الحلول الناجعة من وجهة نظره، ولا غضاضة في ذلك، فالعصف الذهني، أمر مرغوب فيه عند الشروع في حلّ أيّ مشكلة تواجهنا في الحياة.
ومن واقع ممارستي تدريس المادة في مراحلها الثلاث مدة تقترب من الثلاثين عاماً، ودراستها في الجامعة على فترتين تفصل بينهما عشرون سنة، ومدارستها منفردًا أو مع من أجد عنده أنساً بها، رغبتُ في عرض وجهة نظري، كأيّ فردٍ متخصّص في تدريسها أو حتى كمن يجد في نفسه ميلاً نحو مسألاتها، لا عرض مَنْ يزعم في قوله صوابًا مطلقًا يتّصف بالتميّز والفرادة، فأقول:
تتعدّد مظاهر المشكلة، منها ما هو منحصر في المرحلة الابتدائية، إذْ يُسند تدريس المادة أحياناً إلى معلّم غير متخصّص، وغالباً ما يكون هذا الغير مفتقرًا، ولو بدرجة متواضعة، إلى ميل نحو الرياضيات، فيمسي الطالب ضحية هذا الوضع المأساوي الذي تكون نتائجه كارثية في المراحل التالية من تعليمه.
وليس على أيّ معلّم ينتمي إلى هذا الصنف حرج، فقد سُقِطَ في يده، وهو غير مطالب بأن يخلق في نفسه ميلاً نحو مادة علمية بين عشيّة وضحاها، ثم يكون مبدعًا مخلصًا في تدريسها!
والحلّ؟
يمكن أن يكون في النّقط التالية:
– تنبّه وليّ الأمر منذ أول يومٍ دراسيّ إلى أهميّة التعرّف إلى معلّم ابنه، والسؤال عن تخصّصه من إدارة المدرسة.
– إذا كان المعلّم متخصّصًا لا يستوعب منه الطالب، من خلال عدم اجتيازه للمهارات المطلوبة منه، فزيارة المعلّم أول أمر يقوم به ولي الأمر، للاستفسار عن حال ابنه في المدرسة، فليس بعيدًا أن يكون الطالب في حال شرودٍ ذهنيّ، أو كثير الخروج من الفصل أثناء الدرس، وهنا تأخذ المشكلة منحًى آخر، نسعى لحلّها بالتعاون مع المرشد الطلابي.
*- إذا كان المعلّم غير متخصّص، ولم تجد الإدارة البديل المناسب، يُشمّر وليّ الأمر عن ساعد الجدّ لتدريس ابنه في المنزل، أو تكليف من يتمكّن من الأسرة. فإنْ لم يتوفّر، سعى باهتمام لإلحاق ابنه بدورة متابعة خلال الفصل الدراسي عند معلّم يَتوسّم فيه الكفاءة والإخلاص في العمل، وعددهم غير قليل، لكنهم زاهدون!.*
*- فإنْ عدِم وليّ الأمر معلّمًا أو لم يتمكّن من مساعدة ابنه، استعان بالبرامج المتنوّعة المتعدّدة المبثوثة في فضاء الإنترنت، ففي كثير منها فوائد جمّة للطالب، ولكن، مما يؤسف عليه، غير مستفاد منها إلا نادرًا.*
المرحلة الأصعب!
أمّا في المرحلة المتوسطة، فغير بعيدٍ أن تنقص معلّم المادة، وما أبرّئ نفسي، مهارات تمكّنه من توصيل المعلومة بيُسر وسهولة، فتفوّق المعلم وتمكّنه من المادة العلميّة شيءٌ، وشرحه لها شيءٌ مختلف تمامًا، فالتدريس فنّ توصيل المعلومة، يُكتسب بالإفادة من نظرائه المعلّمين والاجتهاد في البحث عن طرائق مقترحة تكتظ بها صفحات مصادر المعلومات المختلفة.
إزاء هذه المشكلة، ليس أمام وليّ الأمر إلا ما ذكرته آنفًا، من الحرص على متابعة ابنه يوميًّا عن مجريات يومه الدراسي، فإذا ما بثّ الابن شكواه من عدم استيعاب شرح معلّمه، عَمَدَ إلى تنفيذ ما ذكرته في الفقرة السّابقة، وبسعيه الجادّ سيكون التوفيق حليفه قطعًا.
*مداخلة وجواب!*
سمعتُ غير واحدٍ من أولياء الأمور، وعشت بنفسي، تجربة بعض الطلاب الذين كانوا يواظبون على حضور دورات المتابعة خلال الفصل الدراسي كلّه، وبعضهم أتبعها بدورة قصيرة في فترة ما قبل الاختبارات، إلا أنّ النتيجة النهائية مخيّبة للآمال!
فأين الخلل؟
في مقام الجواب عن هذا السؤال، بداية، لن أتّهم المعلّم المدرِّب بقصور أو تقصير، ولن أعلّق إخفاق الطالب على شمّاعة رهبة الاختبار، فمثل هذه الرهبة قد تكون فيما إذا كانت المادة التي يختبر فيها الطالب شاملة لجميع مفردات المنهج بجميع مسائله المتنوعة في المعطيات والمطلوب، أو تكون مسائل الاختبار ذات أفكار لم يتدرّب الطالب على ما يُضارعها أثناء دراسته المقرّر، والحال غير هذا تمامًا، والإسهاب في وصف ما يجري الآن ليس مكانه هنا، سيّما أننا لن نستطيع تحريك ساكنٍ نحو الاتّجاه الذي يجب أن يكون، حيث مصلحة الطالب الآن وفي مستقبله.
فالخللُ، إذًا، من واقع عشته بنفسي طالبًا ومعلّمًا، يكمن في *عدم متابعة الطالب لدروسه خلال أيام الدراسة، بالغياب المتكرّر غير المبرَّر عن المدرسة، فإذا ما فاته درس أو أكثر، أسقطه عن تكليفه، فلا يجول بخاطره السؤال عمّا فاته، وإنْ كان مواظبًا على الحضور، فحضوره بدنيّ، لا حضورًا ذهنيًّا فاعليًّا مشاركًا معلّمه في صنع جوابات أسئلة الدروس.*
ومظهر آخر من مظاهر الخلل الباعث على تفاقم المشكلة، يكمن في التقصير، بل الإهمال المتعمّد من قبل الطالب في حلّ المزيد من التدريبات المشابهة لتلك التي دوّنها في كرّاسته في الفصل، أو حتّى إعادة حلّ ما هو مدوّن ثم التأكّد من صحة حلّه بمقابلته على كرّاسته.
خطأ شائع!
وخطأ شائع ينبغي أن يتنبّه له الطالب ومن يقوم بمقام المرشد الأكاديمي أو المتابع له، وهو اعتقاد أنّ فهم الطالب ومشاركته معلّمه في حلّ تدريبات قليلة في الفصل كافية ومؤهّلة تُمكّنه من اجتياز الاختبارات بنجاح يشعر معه بتقدير ذاته، فالشعور بالاستيعاب وقتيّ محصور في أثناء شرح الدرس فحسب.
وذا ما أنبّه إليه الطلاب في أثناء ونهاية كلّ درس أشرحه، موضّحًا أهميّة الأمر بذكر الأمثلة المتنوّعة لمسائل وأسماء طلاب سمعوا النصيحة فنفّذوها، وكانت ثمار جهودهم طيبة مباركة.
أودّ التأكيد أيضاً على أنّ التحاق الطالب بدورة تدريبية، طال أمدها أو قَصُر، ومهما كان معلّم الدورة ماهرًا في توصيل المعلومة، كلّ ذلك لن يصنع طالبًا يتمكّن من استيعاب المهارات الأساسية في منهجه المدرسي، ومن ثمّ اجتياز الاختبارات بالنجاح الذي يرغب، والشوّاهد كثيرة على صحّة المدّعى، منها ما يلجأ إليه بعض أولياء الأمور بإلحاق ابنه في مركز تعليمي غير الأول الذي كان منتظمًا فيه؛ لأنّ ابنه لم يحقّق النتيجة المتوخّاة، وبدعوى عدم كفاءة معلّمه، في حين أنّه لم يسأل مطلقًا معلّمه الخاصّ عن مدى انتظام ابنه أو مدى تقدّمه في الفهم والاستيعاب خلال أيام الدراسة الرسمية.
همسة لرجل المستقبل
في المرحلة الثانوية، يصل الطالب إلى مرحلة متقدّمة من النّضج العقلي، يُفترض أن يكون فيها واعيًا ولو بدرجة متوسّطة لمستقبله، غير ملتفت لما تبثّه وسائل التواصل الاجتماعي من مثبّطات وعبائر سلبية تحمل في طيّاتها ما يزرع في نفسه مشاعر اليأس والإحباط، فينفر من الدراسة بممارسة السلوك السيئ الذي يحطّم حياته ويُنهي مستقبله.
إنّ حال كثير من طلاب المرحلة الثانوية في حصص الرياضيات وغيرها أمرٌ لا يسرّ الخاطر، بل يقضّ مضجع كلّ غيور على مصلحة ومستقبل شبابنا الأعزّاء، فهل يُتصوّر أن يتابع شرح المعلّم عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من مجموع طلاب الفصل الواحد الذي يتراوح بين العشرين والثلاثين، وقد يزيد العدد أكثر في بعض المدارس، ثم بعد ذلك نرفع أصواتنا بالشكوى ضدّ المعلّم في طريقة شرحه، أو في أسئلة اختباراته التي لا تطابق مواصفات الاختبار المقنّن؟!
في هذه المرحلة، إذا ما واجه الطالب عقبة في فهم المادة واستيعابها من معلّمه، أو لكثرة عدد طلاب فصله وإثارة الفوضى من قبل البعض منهم، هناك المزيد من القنوات التي يمكن متابعتها لحلّ مشكلته، فلن يَعْدِمَ فيديوهات تتضمّن شروحًا عدّة لجميع دروس المناهج، والأقرب منها زميله الذي يُعدّ من (الدّوافير)، يسأله عمّا لم يستوعبه، فيستفيد الاثنان.
من هو الدّافور؟
ولذكر (الدّوافير) أشيرُ إلى نقطة غاية في الأهميّة، وأرجو ألا يُفهم من إشارتي أني اعتدّ بنفسي، أو أني في سبيل إنكار وجود شريحة نفخر ونزهو بكفاءتهم ومواهبهم ومثابرتهم وتحقيقهم لنتائج رفعوا بها رؤوسنا وأثبتوا جدارتهم واستحقاقهم وشاح التميّز.
ففي كلّ فصل تقريبًا من كلّ مدرسة، يُشار بالبنان إلى عددٍ محدود من الطلاب أنهم (دوافير)، ومن مواصفاتهم:
المواظبة على الحضور، والتزام آداب المتعلّم، والمشاركة الفاعلة في الفصل، وتحقيق نتائج كاملة أو قريبًا منها في اختبارات جميع المواد الدراسية.
يهمّني في هذا المقام الإشارة إلى أنّ الدرجة الكاملة التي يحصدها (الدّافور) في مادة الرياضيات، ليست مؤشّرًا حقيقيًّا إلى مستواه في المادّة، فمن السهولة بمكان، لو تنبّه الطالب، في أكثر من مدرسة متوسطة وثانوية في قطاع القطيف الواسع، أن يكون (دافورًا)؛ لسهولة أسئلة الاختبار من جهة، ولمعرفته المسبقة بطبيعة الأسئلة التي ستكون مدوّنة في ورقة الاختبار، فأيّ (دفرة) يمكن أن يُوصف بها طالب يعلم تمام العلم بطبيعة الأسئلة!
ثم دليل آخر، حدث في غير مدرسة، وسيحدث مستقبلاً، أنّ (الدّوافير) أو قُلْ (بعضهم) لم يحصد الدرجة النهائية في الاختبار، والسبب تعثّره في حلّ فقرة أو أكثر، تعمّد المعلّم إعادة صياغتها بأسلوب مختلف عمّا هو موجود في المقرّر، أو تغيير المطلوب من السؤال الذي تمكّن الطالب من حلّه مسبقًا، فَلِمَ لِمْ ينجح (الدافور) في حلّ السؤال؟
بل ليته يكتفي بما حصده، وإنّما يعمد إلى إبداء مظاهر الغضب والازدراء لمعلّمه الذي كان سببًا في عدم تحقيقه الدرجة الكاملة.
(الدّافور الحقّ) هو *من يهضم المادة بتمكّنه من حلّ أغلب تدريبات كتاب الطالب وكتاب النشاط* ، بحيث لو كان سؤال في الاختبار يحمل فكرة مختلفة عمّا هو مألوف لديه، استطاع حلّه بنجاح، الأمر الذي ينعكس إيجابياً على نتائجه في اختبارات القياس والتحصيلي، وإلا ما تفسير أن تكون نتائج الطالب كاملة في جميع مراحل دراسته، لتكون نتيجته في نهاية المطاف درجة دون المطلوب، إن لم تكن متدنّية!
هذا يجعلنا نتساءل: أليست مادة مسائل اختبارات التحصيلي والقياس مستقاة من مفردات جميع المقرّرات التي درسها خلال مرحل دراسته؟
بلى، ثم بلى، وما يُذاع أنّ مادتها مأخوذة من مفردات لم يكن للطالب عهد بها من قريب أو بعيد، ذلك مجانب للحقّ والصواب.
والحقّ أنّ بعض أسئلة الاختبار تحتاج مهارات الوصول إلى حلّ سريع كان بالإمكان اكتسابها فيما لو سعى المعلّم إلى تدريب طلابه عليها بين وقت وآخر أثناء تدريس المنهج، أو يكتسبها من خلال الدورة التي يلتحق بها الطلاب عادة قُبيل أداء الاختبار المركزي الشامل لجميع الطلاب.
معادلة سهلة صعبة!
لكي ننجح في صناعة طالب متمكّن من مفاهيم الرياضيات، يُحقّق النجاح فيها بتميّز، وينعكس أثر هذا النجاح في اختبارات القدرات والتحصيلي، لا بُدّ من تحقيق متغيّرات المعادلة التالية:
متابعة جادّة من وليّ الأمر لحلّ مشكلات ابنه المختلفة + مشاركة الطالب الفاعلة في الدرس + حلّ المزيد من التدريبات اليومية والأسبوعيّة = النجاح بتفوّق.