هل سقطت الروح عن مركزها السامي الذي تربعت عليه على مدى التاريخ؟
فإذا كان الجواب بالنفي.
فما الذي أدّى إلى أن نتمسك بالخطط والتنظيمات التي لا تدعم الجوانب الروحية والخلقية.
هل عَمِي على إنسانِ اليوم مدى التناقض في إمكانات النمو المادي، بحيث لا يرى أي روح جديدة يتشبث بها؟
إذن .. من الذي تتحمل نتائج الانتكاسات في مجالات الحياة المختلفة؟
إننا بحاجة إلى قاعدة روحية أخلاقية.
هذه التساؤلات تطرح ونحن نعيش امتداد ذكرى ولادة سيدنا المسيح (ع)، الذي رفعه الله ليكون منهجاً يضيء سماء الروح في وجداننا، وليبقى الشاهد على أنَّ الله لم يخلق الإنسان ليكون ضئيلاً، ولكنَّ الإنسان أراد لنفسه أن يعيش كسولاً إلى حد بعيد.
ومع امتداد هذه الذكرى نستنشق روح هذا الامتداد بذكرى ولادة سيدنا محمد (ص)، فكما أنَّ المسيح كان رأفة ورحمة لمن اتبعوه {وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً}، كذلك كان سيد المرسلين محمد (ص) رحمة للعالمين.
وفي حديث الإمام علي (ع) مع نوف البكالي، يقول: “طوبى للزاهدين…، قرضوا الدنيا قرضاً على منهاج المسيح”.
ويتحدث الامام علي عن سيدنا المسيح (ع)، في خطبته البليغة التي يمتدح فيها الزهد ويذمّ جمع المال، ويصف زهد أنبياء الله الكرام موسى وداود والمسيح وخاتم الانبياء صلوات الله عليهم أجمعين.
فقال بشأن المسيح (ع): “وإنْ شئتُ قلت في عيسى بن مريم (ع)، فلقد كان يتوسّد الحجر، ويلبس الخشنَ، ويأكل الجشبَ، وكان إدامُه الجوعَ، وسراجُه بالليل القمرَ، وظِلالُه في الشتاء مشارقَ الأرض ومغاربَها، وفاكهتُه وريحانُه ما تُنبتُ الارضُ للبهائمِ، ولم تكن له زوجةٌ تفتنُه، ولا ولد يحزنُه، ولا مالٌ يلفتُه، ولا طمعٌ يذلُّه، دابّتُه رجلاه، وخادمُه يداه”.
وما كانت تلك التعاليم إلا امتداد لمشوار من أتى قبله من التوراة والأنبياء. يقول السيد المسيح: “لا تظنُّوا أني جئت لأَنقض الناموس أو الأنبياءَ. ما جئت لأنقض بل لأكمّل. فإني الحقَّ أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرفٌ واحدٌ أو نقطةٌ واحدةٌ من الناموس حتى يكون الكل” بل جاء (ع) ليكمل في تعاليمه التوراة وما جاء به الأنبياء.
ولنقرأ من وصايا السيد المسيح التي جاءت في العهد الجديد:
( ١ ) “قد سمعتم أنهُ قيل للقُدَماء لا تقتل. ومن قتل يكون مستوجب الحُكم. وأما أنا فأقول لكم إن كل من يغضب على أخيهِ باطلاً يكون مستوجب الحُكم. ومن قال لأخيهِ رَقا (فارغ أو باطل) يكون مستوجب المجمع. ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنَّم”.
قال جعفر بن محمد الصادق (ع): قال الحواريون لعيسى بن مريم: يا معلم الخير، علمنا أي الأشياء أشد؟
فقال (ع): غضب الله عز وجل.
قالوا: فبم يُتقى غضب الله؟
قال: بأن لا تغضبوا.
قالوا: وما بدء الغضب؟
قال: الكبر والتجبر ومحقرة الناس.
( ٢ ) “إن كل من ينظر إلى امرأةٍ ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه”.
( ٣ ) “لا تحلفوا البتَّة”.
قال الإمام جعفر الصادق (ع): اجتمع الحواريون إلى عيسى، فقالوا: يا معلم الخير، أرشدنا.
فقال لهم: إنَّ موسى كليم الله أمركم أن لا تحلفوا بالله تبارك وتعالى كاذبين، وأنا آمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين ولا صادقين.
قالوا: يا روح الله، زدنا.
فقال: إنَّ موسى نبي الله أمركم أن لا تزنوا، وأنا آمركم أن لا تحدثوا أنفسكم بالزنى، فضلاً عن أن تزنوا، فإنَّ من حدث نفسه بالزنى كمن أوقد في بيت مزوق، فأفسد التزاويق الدخان وإن لم يحترق البيت.
( ٤ ) “لا تقاوموا الشرَّ. بل مَن لطمك على خدّك الأيمن فحوِّل لهُ الآخر أيضاً”.
قال جعفر بن محمد الصادق (ع): قال عيسى بن مريم لبعض أصحابه: “ما لا تحب أن يُفعل بك فلا تفعله بأحد، وإن لطم أحدٌ خدك الأيمن فأعط الأيسر”.
( ٥ ) “أحِبُّوا أعداءَكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مُبغضيكم. وصلَّوا لأجل الذين يسيئُون إليكم ويطردونكم”.
أيها الأحبة:
فلنخلق روحاً، لنخلق محبة ..
ولنغيِّر قانون الموت: (البقاء للأقوى) ..
إلى قانون الحياة: (البقاء للأكثر محبة) ..