نموذجية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

نحن مجتمع لا يطبق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى بحدوده الدنيا ، ولا حتى على أنفسنا وأهلينا ، وهو الأهم ابتداء ، حيث منه ينطلق وهج هذا الواجب الكفائي ، ليكون في حالة تطبيقه التطبيق الشرعي هو الضامن الأساس والفعلي لصلاح المجتمع مكوناً وأفراداً وجماعات .

إننا نرمي هذا الثقل بكله على السلطة والقانون ، وعلى الشرع ، وكأنهما الجهتان الوحيدتان المسؤولتان فقط ، بينما هو واجب علينا جميعاً كل من مكانته ومكنته وطريقته ، وبين من يستطيع ، وكيف يستطيع ، فلو شبّ حريقٌ مثلاً ، فليس من المنطق أن ننتظر الجهة الرسمية لكي تأتي وتطفئه ، وهو ربما يأتي على الأخضر واليابس ، لابد أن أقوم أنا بواجبي ، لا أن أقف متفرجاً ، وأقول أنها ليست مسؤوليتي ، وصحيح أن هذا الواجب ينتفي ويسقط لو قام به البعض وانتهى ، ولكنه واجب على الجميع مادام خطرهُ قائماً ، والجميع يتحمل المسؤوليه بنسب متفاوته .

علينا أن نراقب ما يدور في محيطنا .. أسرنا .. مجتمعنا .. نحن المتطلعون لصلاح المجتمع واستقامته واستقامة أبنائه ، والطامعون في بنائه وقيمومته ، وليس من المنطق أن نكون غافلين . نحن نرى وبعيداً عن التعريف الشرعي الصرف له ، أن من الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر هو المراقبة والوقاية ابتداءً ، فضلاً عن العلاج لاحقاً ، فهذه طريقة صائبة لاستئصال السوء ، ووأد الشرور من البداية .. نحن نرى أن من ذلك أيضاً التربية السليمة للناشئة ، ونرى منه اتباع التعاليم الدينية وتعلمها واجباً وحراماً ومستحباً ومكروهاً ، تماما كما اتباع القوانين الوضعية والنظام للدولة حفظها الله ، ونرى من ذلك أيضاً الثواب والعقاب وتطبيقهما حرفياً .

من غير الممكن أن نكون مجتمعاً نموذجياً كما نتطلع ويتطلع غيرنا من المجتمعات دون أن تكون بنيتنا المجتمعية قد تأسست أساس الصلاح والأخلاق والمعروف والوعي التي كفلاها النظامين الشرعي والوضعي ، ولنكون أفراداً يعون ويجيدون اتباعهما ، ويقيننا أن ذلك لن يكلف شيئاً ، خاصة حين نبدأ مع أبنائنا وبناتنا من الصغر حيث يتلقى الطفل بمساغٍ سهل ما يطرق سمعه وتراه عينه ، ويحفظه عن ظهر وجدان ويقين ، وخاصة من أبيه والذي يعتبره هو الحق المطلق بلا جدال .

لابد أن نكون جماعة واحدة في الإرادة والقرار والإحساس بالمسؤولية ويكون أمرنا ونهينا واحد ودون تمييز وعاطفة ، فولدي مخطىء ، ويجب أن أعترف ، لا أن أنـزِّه خاصتي ، وأعتبر الآخر هو القضية ، لنبدأ من الآن خطوات التفاؤل ، ولنجرب الإصلاح بالنهي عن المنكر والأمر بالمعروف أيهما اخترنا أولاً وحسب الأهمية ، توافقاً مع مراقبة الذات ورحمها وأقرانها وأصحابها ، فإننا بذلك نقلص المشاكل ، ونحصرها ، لا أن نراكمها ، كما نحن عليه الآن ، حيث لدينا من الهموم ما لا يطاق ، ولا يمكن حلها بين عشية وضحاها ، وهي التي أعجزت الكثير ، وجعلتهم ينأون بأنفسهم عن الخوض فيها خوفاً وأمنة .

إننا حين نربي وننشأ ، ثم نطلق للحياة جيلاً من الأبناء الصالحين ، قد أخذوا من معين الهدي الإسلامي ، والأعراف الأصيلة ما يمكننا أن نثق بأنهم لن يحيدوا عنه مهما تلاقفتهم التيارات إلاّ من شذ من الشواذ ، وسيكون ذلك طريقاً يشكل النموج الأسمى من المجتمع المنشود والذي يتطلع له كل أب ومسؤول ، ويتطلع له الوطن بعينه ، فليس أفضل من أن يكون أبناء الوطن الواحد في سلام ، والوطن في سلام ، والنفوس في سلام وآمان ، عندها لن يكون لأي منغصات الأثر السلبي على المشاعر ، وهي التي بنيت بناء الرضا والحمد والشكر ، ولن تعتبر المعوقات سوى رياح عابرة سرعان ما تستكين بعدها الحياة طوع الإرادة والتسليم .


error: المحتوي محمي