كيف يمكن لأحد الزوجين أن يخترق صدر الآخر ، بما يقتل كل مشاعر المحبة و الاحترام المتبادل بينهما ؟
إن المقتل يكمن في لحظات الانفعال و ما تنتهي إليه الحوارات الساخنة من نهايات مؤلمة ، تبتديء بالكلمات الجارحة و النابية و لا تختم إلا باعتداءات جسدية و قطيعة تمهد للانفصال ، فالكلمات النارية تكتب البدايات لمنحدر الكراهية و العطش العاطفي ، فليس من السهل على المرء أن يرى من يفترض به أن يكون أقرب الناس إليه ، يحط من كرامته و يمتهن شخصيته و يوجه إليه أقذع الألفاظ بحجة انفلات أعصابه ، و غضبه الذي لم يستطع معه أن يحافظ على هدوئه و اتزانه الانفعالي ؛ لينطلق لسانه بلا شعور ليوزع مختلف الرشقات الكلامية الهادمة للعش الزوجي .
كما أن ممارسة المعايرة لشريك الحياة تعد طلقة نارية أخرى تمزق نسيج الحب و الثقة بينهما ، فيلجأ الزوج – مثلا – إلى معايرة الزوجة بأنه يوفر لها المستلزمات المالية ، و تعايره الزوجة بما تقوم به من خدمة منزلية ، و لا يختتم حفل المعايرة بانتقاص أسرة الآخر و الحديث عنهم بأسلوب ساخر ، لينطق الزوج بأن منزله الزوجي جحيم لا يطاق ، و تنطق الزوجة بانعدام الرجولة و تحمل المسئولية منه .
و لا شك أن المشادات الكلامية حرب يتبادل فيها الطرفان التراشق و الترامي بما يجرح أحاسيس الآخر و يكسر نفسه بما يسمع من عبارات مسيئة ، و بغض النظر عن الطرف المبتديء بالتلفظ الجارح ، فإن ذلك الحفل ما كان له ليستمر و يتأجج لو أن الطرف الآخر أحجم عن الرد و اتجه نحو الصمت و الانسحاب بهدوء ، و مع تكرار تلك المشاحنات تنحسر بقايا الحب و الاحترام للشريك الآخر ، و يلجأ بعدها الطرفان إلى التصعيد و الاستمرار في الضربات المؤلمة ، أو يتجهان نحو الصمت القاتل الذي لا يشعر فيه كل واحد بأي مشاعر إيجابية تجاه الآخر ؛ لتكون النهاية المتوقعة هي الانفصال العاطفي و الذي لا يلبث بعدها الزوجان أن يختما حياتهما الحافلة بمواقف سعيدة بإشهار وثيقة الطلاق ، و السبب هو الانحسار التدريجي للعاطفة و الانكسار الحاد لحاجز الاحترام المتبادل .
و ما أقبح العذر عندما يسأل أحدهما عن مشاركته في تلك المشاحنة ، بأنه لم يكن الباديء بالسباب و المعايرة ، و إنما كان متخذا موقف ردة الفعل ، فلا يمكنه السكوت عن شتم أسرته أو معايرته بالتقصير ، فالمقارنة الظالمة التي أطلقها أحدهما هي ما استفزه و أطلق لسانه برد الصاع صاعين ، فلم يتمالك أعصابه فتحدث بما سيعض عليه أنامل الندم مستقبلا .
و بلا شك أن تلك الكلمات الجارحة تحدث شرخا في جدارية الثقة و الاحترام بين الزوجين ، فالكبرياء قد انجرح و انكسرت النفس بعد صاقعة تلك الكلمات المهينة ، فإذا كان صادقا في محبته و ما يكنه من مشاعر رقيقة ، فلماذا يكيل له هذا القدر الكبير من الإساءات ، و التي سلبتهما الاستقرار راحة البال ؟
لا يمكننا إنكار حقيقة وجود المشادات و الخلافات البسيطة في كل بيت ، و التي يمكن بقليل من الحكمة و سعة الصدر و التسامح تجاوزها و إنهاء مفاعيلها ، بل و جعلها محطة لتجديد المشاعر العاطفية بينهما ، فوجهات النظر المتباينة على مستوى الآفاق الاجتماعية أو الثقافية و غيرها تكون مورد خلاف بينهما ، قد تتطور إلى مشادة مع تمسك كل طرف برأيه و عناده ، و يمكنهما الحوار بهدوء إذا تجنبا الانفعال و وضعا قائمة بالكلمات المحظور استخدامها أو الاقتراب منها ، و يمكنهما تجاوز الخلاف بتنازل أحد الطرفين أو تأجيل النقاش ، فالكلمات النارية خراب و دمار للاستقرار الزوجي و لا فائدة منها .