تتسارع الجهات الحكومية و الأهلية في الثالث من ديسمبر للاحتفاء باليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة عن طريق إقامة الفعاليات المتنوعة ، كالمعارض و ورش العمل و الأركان التوعوية .
و قد خصص هذا اليوم من قبل الأمم المتحدة منذ العام 1992م لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة ، كذلك سعيًا في زيادة الفهم بكل ما يعنى بذوي الإعاقة ، قضاياهم ، ضمان حقوقهم ، تمكينهم من العيش بشكل مستقل ، و الحصول على الخدمات الصحية دون تمييز ، بالإضافة للدعم النفسي و الاجتماعي .
و في هذا المقام استميحكم العذر في أن أشارككم أحد المواقف المؤلمة . فقد زارتني مؤخرًا إحدى السيدات المتطوعات بالكشف عن ذوي الاحتياجات الخاصة و سردت لي قصة “عمر” ، و هذا ليس اسمه الحقيقي ، و إنما اخترت له هذا الاسم حفاظاً على خصوصيته .
“عمر” شاب في العقد الثالث من العمر ، يعاني من تخلف عقلي متوسط بدرجة 45% ، و نوبات صرع متكررة ، و سمنة مفرطة ، و يتسم بسلوك عدواني تجاه الآخرين ، و المؤلم في الأمر أننا وجدناه علاوة على ذلك ، يعيش في بيئة غير مناسبة كلياً ، بل لا تليق بإنسان يملك كامل الحق بحياة كريمة وأن يحظى بالرعاية الخاصة ، فقد كان يعيش في مكان يصلح أن يكون مخصص لغير ذلك .
حقيقة لم أكن أتصور أن حالة ” عمر “، مأساوية إلى هذا الحد حتى ذهبت مع المتطوعة لزيارته ، لشدة ما صُدمنا لم نستطع البقاء طويلاً و لم تدم زيارتنا أكثر من عشر دقائق ، كانت تفوح من المكان رائحة كريهة جداً ، و كان جالساً على الأرض بملابس قذرة جداً ، لم يغيرها منذ فترة طويلة على ما يبدو ، كان يكرر عبارة ” بردان أبغى سروال ” . وسط أجواء الصدمة هذه غادرنا المكان و تابعنا حديثنا في السيارة ، أخبرتني المتطوعة بأنها تواصلت مع أحد المراكز المعنية بالتأهيل الشامل لنقل “عمر” إليه ، و لكن كان الرد سلبياً نتيجة عدم توفر سرير شاغر ، و غاية ما هناك أنها تلقت وعداً بأن يكون على قائمة الانتظار .
من هنا ، لنا أن نتسائل عن سبب غياب حس المسؤولية اتجاه “عمر ” ، و آخرون من أمثاله من ذوي الإعاقات العقلية أو الجسمية و الحركية ، السمعية أو البصرية وغيرها من الإعاقات التي تتطلب رعاية خاصة ، و هل يليق بمجتمعنا أن يقف مكتوف الأيدي أمام هذه الحالات الإنسانية المؤلمة . ؟
إن تسليط الضوء على الحالات الإنسانية عبر إقامة الفعاليات المتنوعة من معارض و ورش عمل و أركان توعوية ، هو أمر مطلوب لكنه غير كاف أبدًا . إننا مدعوون إلى بذل جهود كبيرة و تبرعات مجزية لتوفير الخدمات اللائقة بذوي الاحتياجات الخاصة ، حيث أن تعليم شخص من ذوي الإعاقة ك “عمر” ، ربما يكلف من ثلاثة إلى ثمانية أضعاف تعليم الطفل العادي .
نحن بحاجة ماسة لتظافر جهود الجمعيات الخيرية و الأهلية و أصحاب الأعمال في المجتمع ، لإنشاء مركز متخصص على مستوى عال يخدم ذوي الإعاقات من أبناء المحافظة . هنا أسميته ” عمر ” ، لنمنح في معناها الإنسان المعاق ، عمرًا جديدًا مفعمًا بالحب و الحياة ، ليكون عنصرًا فاعلاً في خدمة مجتمعه و وطنه ، فردًا صالحًا .
لقد أثبت الواقع أن ذوي الاحتياجات الخاصة – الإعاقة – ، مبدعون و مبدعات ، إذا ما احتويناهم ، كمجتمع ، نطبب آلامهم و نحفز من طموحاتهم ، آمالهم و أحلامهم ، لنطور من أدواتهم و مهاراتهم بكوننا مجتمع متماسك و متعاون يشد بعضه بعضًا ليرتقي . نهاية إن ذوي الاحتياجات مكون من مكونات المجتمع ، و الاهتمام بهم لأمر إنساني و أخلاقي و مسؤولية مجتمعية .