
في وقت تأتي التكنولوجيا، لتقتحم عالم الإنسان في مجال الاتصالات والتواصل عن بعد، كذلك ازدحامها بالبرامج التي توفر على الإنسان الكثير من الاستغراق في الوقت، لآداء أعماله؛ فإن -التكنولوجيا -، صهرت العالم، لتنسجه عبر ذبذباتها قرية صغيرة. إذًا المعرفة الثقافية، لإدارة الوقت، سعيًا في تحقيق النجاح، لأمر يستشرفه، كل إنسان يتطلع للإنجاز، مستعيرًا – ضمنيًا -، ماهية الإيجاز في معناه البلاغي، وهو: استخدام قدر صغير من الكلمات، للدلالة على معان كبيرة، ليكون في إدارة الوقت، تجيء بكونها استقطاع وقت قليل في إنجاز أعمال كثيرة، تتمتع بالكمية متزاوجة مع الكيفية. قال “جوته” ذات إدراك: يكون كل شيء صعبًا قبل أن يصبح سهلاً. قد تكون ثقافة تنظيم الوقت وإدارته صعبة في حين، ولكنها ستكون سهلة في أحيان أخرى، إذا ما شكلها الإنسان، لتكون عادة حسنة، يعيشها ويقتفي أثرها.
أكد الكاتب محمد الحميدي، أن ” السوشيال ميديا ” انشداد للذهن والتفكير وتحديد الأهداف، بوصلة تنظيم الوقت وإدارته، داعيًأ الشباب في التحول من الماضي إلى الحاضر الذي أدخلنا لنكون في بوتقة قرية كونية صغيرة.
وتسآءل، العصر الحالي وملهياته هل يختلف عن الأزمنة السابقة، ليجيب أن لكل زمن انشغالاته المختلفة، مستدركاً بأن العالم القديم استغرق في الزراعة أو الرعي أو الصناعة، و نحن ننشغل بالتقنية المعلوماتية والثورة المعرفية.
ونوه إلى أن ما يميز عصرنا أمران، هما: تكبير الصورة بأكثر مما تستحق وتضاؤل الاهتمام بالمحلية على حساب العالمية، مبينًا أنه في مجمعات القدم كانت الصورة تأتي كما هي أو بتحريف قليل مما يتيح للإنسان إمكانية قراءتها ومعرفة الخطأ من الصواب.
وأضاف: في العصر الحالي لو نظرنا إلى وسائل الإعلام ومحطات الأخبار، هي تكثر من كلمة عاجل، وهذه الكلمة بالذات تجعلنا ننتظر ما سيأتي ولو بعد حين، مفيدًا أن الصورة أو المعلومة، كانت حاضرة ومتوفرة، وهي الآن حاضرة ومتوفرة بأضعاف مضاعفة.
ودعا الإنسان إلى البحث عن الصحيح فيها من الخاطئ، مؤكدًا بأنها مهمة شاقة وعسيرة، خصوصًا لمن لا يمتهن البحث و التحقيق و إعمال الفكر و التأمل .
ووصف ما يتعلق بالعالمية والأحداث المتتابعة، بانشغال آخر يضاف إلى انشغالات الإنسان، فأخذ ينظر إلى أفغانستان أو الصومال أو ليبيا أو سوريا أو أمريكا وكوريا الشمالية.
وأكد أن هذا الانشغال يؤثر تأثيرًا كبيرًا على الإنسان، يجعله في حالة انشداد دائم إلى المعلومة الجديدة، موضحًا هنا المأزق القاتل، حيث الاهتمام بالعالم وما يحدث فيه، يجعله أمام ضيق من الوقت في متابعة الساحة المحلية وما يدور فيها من أفكار وقضايا ونقاشات ساخنة.
وقال: إنها حالة التحول إلى قرية كونية صغيرة، جلبت مع وسائل التواصل الاجتماعي إمكانية المشاركة والحوار والمناقشة، هي انشداد كامل للذهن و التفكير.
وأبان إنه أمام هذين الأمرين أو الانشغالين، أصبح الإنسان ليس جزءًا واحدًا، بل عدة أجزاء، في الصباح والظهيرة، العصر والمساء يبحث ويتحرى عن الجديد، الذي يملأ وقته ويشغل تفكيره.
وتابع: هنا مأزقنا الكبير مع أنفسنا ومجتمعنا، فنحن لا نستطيع تذكر الأمور البسيطة أو الهامشية أو تفاصيل حياتنا، لكننا في المقابل نستعين بذاكرة الجوجل و ” السوشل ميديا”، في المناقشات الحامية، مما يحوجنا إلى تنظيم للوقت وإدارته.
ولفت إلى أنه لم تعد الذاكرة تحتمل هذا الكم الهائل من الانشغال، مشددًا على أنه لا بد من طريقة للتنظيم لا تكون اعتيادية، كما هي حياتنا، لم تعد اعتيادية.
وذكر أن أولى أولويات الإنسان في هذا الخضم الكبير، هي تحديد أهدافه الحياتية ثم العمل على تحقيقها، فلا يكفي الحديث عن الأمنيات والأحلام، مضيفاً بأن العالم الحالي ما عاد قادرًا على استقبال المزيد من الأمنيات، بل يحتاج إلى مثابرة وجهد للوصول إلى الإنجاز.
وأوضح بأن الخطوة الصحيحة في هذا المضمار، هي أخذ إجازة قصيرة لمدة يومين أو ثلاثة مثلاً، للتفكير في المستقبل وكيفية إدارة حياتنا، لتحقيق الأهداف التي وضعناها صغارًا كي نراها متحققة على أرض الواقع، مشيراً إلى أن الأهداف تختلف، هناك الأساسي والعاجل وما يمكن تأجيله.
وأوصى بوضع خطة مرحلية، تتضمن تحقيق بعض الأهداف قبل الانتقال إلى تحقيق أخرى، منوهًا إلى أنه من المهم أن تكون الأهداف الموضوعة قابلة للتحقق و إلا سيصبح الإنسان مصابًا باليأس، مقترحًا البدء بهدف صغير، لكون تحقيقه، سيؤدي إلى إشعال الحماس والمثابرة داخل النفس.
وقال: ككاتب وباحث، لقد ساعدتني التقنية المعلوماتية في أكثر من ناحية، حيث سهلت لي الوصول إلى الكتب التي تتحدث عن الموضوعات التي أود القيام ببحث حولها، كما أنها وفرت العديد من الخيارات، فأمكنني المقارنة بين الأفكار، لعدد من الكتاب عبر المواقع والمدونات المختلفة.
وأردف:” كذلك اقتربت المكتبات مني بشكل لصيق، فلم يعد الكتاب الورقي أساسيًا، بل الإلكتروني، وهذا ساعدني كثيرًا، إضافة إلى تواصلي مع دور النشر أصبح أكثر سهولة، مضيفاً يمكنني القول أن التقنية المعلوماتية وفرت علي الكثير من الجهد والوقت وهذا كان أحد الأهداف، التي وضعتها في رأسي وتحققت – بحمد الله – .
وأشار إلى أن الكتابة والتأليف عملية مستمرة، لكنها تحتاج إلى توقفات، لأخذ استراحة ومراجعة ما يكتبه، و أحيانًا مناقشة الأفكار مع آخرين، ينتمون إلى نفس الجانب، معتقدًا أن مواقع التواصل الاجتماعي منحتنه الكثير من الفائدة.
واستطرد ولكن هذه الفائدة، ينبغي تنميتها عبر التأمل والتفكير فيها، وقال “نحن في عالم الأدب والثقافة، لسنا أمام قواعد ثابتة لا يأتيها الباطل بل في عالم من الممكنات وللتفكير والتأمل الأثر الأكبر، لهذا إن أي استفادة من مواقع التواصل ينبغي أن تكون مشروطة بذات الإنسان الباحث، فلا يكتفي بالحصول على الفكرة أو المعلومة، بل عليه مناقشتها واستنتاج إجاباته الخاصة’.
ووجه كلمته إلى الشباب من جيله، الذين ينشغلون بوسائل التواصل والمعلومات الواردة من الخارج، كسيل لا يتوقف، قائلاً:” علينا أولاً أن لا نعول كثيرًا على الانشغال عن المجتمع المحلي الذي نعيش فيه، نحن ننتمي إلى جزء محدد من العالم و ليس إلى كل العالم، ثانيًا: ينبغي توظيف هذه الوسائل التواصلية في رفد ثقافتنا المحلية وتطوير مجتمعنا، كل بحسب اختصاصه و مجال اهتمامه”.
وختم: “لعل أهمها سيأتي اليوم الذي تتضاءل فيه قيمة هذه الوسائل، وسنصبح وجهًا لوجه أمام مجتمعنا وبيئتنا المحلية، فماذا أعددنا لهذا اليوم؟!” .