ظاهرة الأطفال المحرومة من رؤية أحد الوالدين بسبب الطلاق أصبحت منتشرة بشكل ملحوظ في مجتمعنا المحافظ، مؤثرة بذلك على الصورة الأخلاقية العريقة لهذا المجتمع.
إن ظاهرة الطلاق التي تحدث كل يوم هي من أخطر الظواهر التي تشكل كارثة حقيقية في المجتمع، ولعل من أكثر الجوانب المؤلمة المرتبطة بهذه الظاهرة هي الأطفال الذين يعانون من التشوه النفسي والاضطراب السلوكي، ويصبحون قنابل موقوتة مهيأة للانفجار في وجه المجتمع في أي وقت، فإما أن يصبحوا مصاحبين لمدمني المخدرات، أو أطفال شوارع، وينجو من هؤلاء القليل، كل ذلك بسبب الطلاق.
لا نستطيع في هذه المقالة أن نحدد ونعدد أسباب الطلاق، فمنها الأحوال الاقتصادية الصعبة التي تصيب الكثير من الشباب، بل والكبار الذين تتأثر نفسياتهم بهذا الضغط الكبير والمستمر لتوفير حاجة بيوتهم، مع كثرة المغريات أمام أولادهم والمقارنة بينهم وبين أقرانهم في المجتمع، مما يجعل عائل الإسرة في صراع داخلي وضغط عصبي ونفسي يصل به إلى إنهاء هذا الملف الذي لا يستطيع الوفاء بالتزاماته.
إن عدم فهم الجيل الجديد من الشباب والشابات لفلسفة مشروع الزواج وتكاليفه الأسرية الباهظة في هذا الزمان، يعد واحداً من أهم أسباب فشل أو انهيار المشروع، فالصبر على الشريك والوقوف إلى جانبه إذا ضاق به الحال خطوة في الاتجاه الصحيح لنجاحه، ولا بد أن نعي أن الزواج ليس كله خيال وغرام ومشاوير هنا وهناك، وأكلات في أفخم المطاعم أو (التيك أوت) وبعدها يصتدمون بالواقع المر ويسقطون عند أول اختيار.
إن أهم مآسي الطلاق هي تلك التي يكون الأطفال قد حرموا من رؤية الأب الذي لا يراهم لوقت كافٍ أو لم يستطع رؤية أطفاله بالمرة، وبذلك حرم الأولاد من أن يرتبطوا بأبيهم ويحسوا منه بالحنان أو العاطفة أو التوجيه، بل يصبح مجرد زائر مؤقت وقد لا يعرفه الأولاد فينادون عليه (عمو) بدلاً من بابا! لأنه لا يقيم معهم ولا ينامون في حضنه ولو يوماً في الإسبوع بدلاً من الحرمان المتبع كعقاب للأب المسكين والذي يدفع ثمنه أطفال أبرياء.
إن رؤية الصغير لأبيه لمدة كافية بحيث يتاح له رؤية أجداده من أبيه وأعمامه وعماته وأولادهم خطوة صحيحة لتوثيق العلاقات الأسرية، وينهي حالة قطيعة الرحم الموجودة الآن بين أكثر العوائل في المجتمع ويعاني منها الأطفال، فتوثيق العلاقة الأسرية يساعد في أمر نفقة الطفل التي قد لا تتناسب مع ارتفاع الأسعار وسقف المعيشة.
إن ما تفعله الأم من انتقام من زوجها في حال حدث طلاق بينهما بحرمانه من رؤية أبنائه، هو تعدٍ على براءة الطفولة وتعنت يؤذي أطفالها ويجعلهم أيتاماً مع وجود الوالدين، وهذا التعنت يدمر رب الأسرة ويحرم الأبناء من الحياة السوية، الحياة بعيداً عن المحاكم وأقسام الشرطة ومشاكل المطلقات وتدمير الأسرة والمجتمع، فلذة الانتقام لا تدوم سوى لحظة، أما الرضا الذي يوفره العفو فيدوم إلى الأبد.
نتمنى أن نكون قد أضفنا شيئاً يستفاد منه في هذه المقالة التي تتناول بعض الأسباب لمعاناة حرمان الأطفال من رؤية أبيهم، لكن يبقى الأهم هو أن تعالج أسباب الطلاق المخيفة التي تحدث في المجتمع لأنه الأصل في هذا البلاء، حتى نتجنب الآثار المدمرة له على الأطفال، وحتى لا نسمع طفلا ينادي أباه بغير بابا.