ماذا عندي لأكتب؟

حين أقف هنا بين القراء تكون لي قداسة من نوع خاص, وأبقى أفكر ماذا اكتب بإجلال كبير, وهل هناك أبهى من المحبة حيث لا شروط إلا التي تقررها ابتسامة الشمس, تحية صباحية معطرة بالورد وكوبا من القهوة للقراء على اعتبار أن القهوة لأنصار السهر مثلي, متمنية أيها القارئ أن تجد سطرا يجعلك تبتسم ولو بالخطأ, وسأحاول أن أكتب برموش الشمس داعية أفكاري تتوهج كعيدان البخور وقد أصبح راهبة في محراب الكتابة هنا. ثمة تقصير بأنني تغيبت عنكم, لكنني اليوم أود أن اكتب دون تقصير وليخلو هذا الكون من التقصير الغير مقصود, آملة في حياتي القادمة أن أكتب الكثير من المقالات التي لم تولد بعد, ففي داخلي لم تزل الأفكار حيّة بل شديدة الحياة. مثلما بقيت أفكار الموت والحياة هي الأخرى شديدة النبض وصافية اللون.

ماذا سأكتب لكم الآن فالكتابة إذا لم تأت مستفزة باتجاه الجمال لا تليق أن تكون أدبا! لم تكن عندي فكرة معينة عندما أردت كتابة مقالي هذا وإنما هو توتر إن جاز التعبير, وأجزم إن الأفكار تتداعى عند تمسكنا بفكرة أولية لكنني سمحت لقلمي بالمضي حسب مزاجه كما يحدث أحيانا, الحياة لا تكون ذات معنى جميل وجليل لو إننا عشناها وفقاً لمزاجنا وهو متغير حسب معطيات الواقع, بل الحياة الحقيقية تكون حيث الإصغاء بصفاء وتجرد, وهكذا أنا في كل شيء حتى بالكتابة,نعم بالجنون والكتابة شاكست الكثير وحتى الموت شاكسته كما شاكسه المتنبي قبل أن يستسلم له. حين ينفعل الإنسان جماليا يصبح كل شيء جميلا له, فهل يحتاج أحدنا في هذه الحالة إلى قلوب كثيرة لكي يفي بوعده حد العشق!! نعم عشق الكتابة, كلا إنه ليس إلا قلبي وهذا بعض الإعجاز في الكتابة,وأنا أجده ليس ترفا وإنما إحساس و مسؤولية تحتم علي أن أقدم للفكر الإنساني رسالة ما.

بعض الأسئلة دائما تستفزني رغم كثرتها إلا إنني مازلت محاطة بكم, وانتم من يجيب على مبرراتي!! ما هذه القطيعة مع القلم!!! سؤال كثيرا ما يوجه لي هنا وهناك, استفزازك دين في عنقي, سأدفعه إليك بكتاباتي الأجمل أيها القارئ وإنني سأجتهد أكثر لتليق برضاك, نعم لقد غبت بقلمي عنكم لكنكم أعزائي ومحبي الكلمة تسرون في دمي, وهنا بيتنا ونحن كالطيور وإن غبنا نتوق ثانية إلى بيتنا, وقد أقول قلما يلتقي الانكسار والشموخ وإن كنت أجيد فن الألف إلى الياء والعزف على أبجدية البوح, وهنا أعود لكم من جديد وقد أعذر فضولكم دوما أيها القراء أتدرون إنني اقرأ تعليقاتكم بشغف لإحساسي إنكم تسبروا أغوار مقالاتي وكم تسعدني قراءاتكم !! لكن وأنا أكتب أتمنى السكينة الروحية أولا كشرط للكتابة العميقة, إننا كثيرا ما نكتب لنؤكد إن التواضع والكبرياء جوهر إنسانية الإنسان, ويخطئ من يظن أنهما تتعارضان وبإمكان واحدة منهما التنفس بمعزل عن الأخرى.
حين أقف عند محراب الكتابة لابد أن أبسمل بروح الحروف, عند هدوء الليل الطويل الذي طالما يوجعني بغياب من أحب, يسمعني صوت عقارب ساعتي التي بجواري لكني اجهل الوقت الآن, لكوني لم ألمح الزمن كي لا اعرف كم من الوقت فات بالتفكير بالكتابة ؟ في داخلي تتصاعد سجالات قيم ومبادئ ما غرس في وما طرأ علي, وهل هذا هو حقا ما يراد بنا نحن البشر!!! أحتاج لبعض الهدوء ليبقى الجو الهادئ طي الخصوصية التي اعشقها ولتقفز ابتسامة بين عيناي وشفاهي ولأتمتع بأناملي وأنوثتي بلون الفرح الأبيض, حيث قمة السوء أن يصبح اللون الأسود ناصعا ولون الأبيض حالكا فهناك بين الأبيض والأسود حد فاصل فالأبيض يبقى ناصعا والأسود يبقى مدى الزمن حالكا. اعذروا فلسفتي مع إنني لا زلت احتضن الورد بقلبي, وسيبقى لون القطيف الأبيض يخترق العتمة والسكون.

ربما مرت في خيالي وأنا اكتب هنا جملة للشاعر الإنجليزي اللورد بايرون(( إن البسمات تحفر القنوات لدموع الغد)) حاولت طردها آملة إلى ما هو أبعد من الدموع, ولعلني فكرت لابد إنها ستكون دموع فرح, ولم اعلم إن الفرح الحقيقي هو أن يفهمك الآخر بهذا العمق, التواضع والزهد مبدءا وسلوكا عميقا أحببته منذ صباي, فبساطتي لا غبار عليها وفي كل شيء, ولكن ما يستفزني دهشة البعض فهم يريدونني أن أقلد من يعيشون فوق القمم وهذا لا يشبهني أبدا. فكلما كبر المرء قل أصدقاؤه وكثر أعداؤه, والدنيا تسير غير آبهة بهذا وذاك, والبقاء لمن أبقى فكرا وعقلا, حيث تأويلي هذا يحمل الكثير من الصحة والرغبة بالتحفظ من بعض البشر مع قدر كبير من الحذر منهم والتسامح معهم, علينا أن نقف عند الانكسار الذي هذب ميولنا للصدق والحذر والتحفظ, وقد يتوهم البعض الصمت بأنه رديف لعدم الحيلة والإدراك, فالكتابة صرخة بوجه التمادي في أي صوب, وإن كانت لم تكن بعض الأصوات عالية إلا إن أقلامنا قادرة أن تحدث هزة مؤثرة في بعض الضمائر, وعزائي ليس لي في هذا الكون غيركم والقطيف.

خطر ببالي أن اكتب لكم كل ما يخطر ببالي فلا تؤاخذوني,هل من زهو اكبر من أن يكون لك صديق!!! قال فولتير: أيتها الصداقة: لولاك لكان المرء وحيدا, وبفضلك يستطيع المرء أن يضاعف نفسه وأن يحيا في نفوس الآخرين, وقد سأل احدهم حاتم الطائي: هل يوجد أكرم منك؟! أجاب: وما أكثرهم وأعاد عليه السائل: مثل من؟ قال: مثل الصديق الذي أخطأ بحق صديقه فسأله العذر فاستجاب, وهنا كأنني قد تذكرت ثمة حكمة تركية تقول: إذا تملك أصدقاء, فأنت غني. هذا عن الصداقة والصديق وماذا عن الحب, عندما سألوا طفلة صغيرة اسمها ريبيكا ما معنى الحب؟ سأنقل لكم جوابها, عندما أصيبت جدتي بالتهاب المفاصل,أصبحت لا تستطيع أن تنحني لتضع الطلاء على أظافر قدميها, فكان جدي يقوم بذلك لها كل مرة على مدى عدة سنوات, حتى بعد إن أصيب جدي نفسه بالتهاب المفاصل في يديه لم يتوقف عن القيام بذلك لها. هذا هو الحب كما أراه. أسمحوا لي وبقوة شديدة جدا أن أقف وأنحني انحناءة لا مثيل لها لزوجي وأتحفظ لمبرر هذه الانحناءة فهو يستحق حبي واحترامي. ولقد سأل أحدهما يوما: لماذا تضحك دائما دون سبب؟ فكان جواب الآخر جوابا أثار دهشتي: حتى لا أعقل. وهنا أسألك يا عزيزي القارئ لو سألتني لماذا اكتب مقالاتي على هذه الشاكلة ؟ سأجيبك قائلة: حتى لا أصاب بالجنون.

لا املك إلا أن أقول لكم أعزائي القراء شكرا, وهنيئا لكم القهوة ومريئا.


error: المحتوي محمي