«نخيل القطيف» يعاني الإهمال.. مسح ميداني يكشف 15 صنفاً لا أثر لها

على الرغم من رمزية شجرة النخيل عند الفلاحين والمواطنين بصفة عامة، وقيمتها الغذائية العالية التي يؤكدها مختصو التغذية، إلاّ أن الشجرة في بعض مناطق المملكة أصبحت تعاني من إهمال الفلاح والاحتطاب الجائر وسوء الري، والشجرة التي تعد إحدى أهم الأشجار التي تتواجد في بيئتنا، وأحد أهم مكونات الزراعة في المملكة، إلاّ أن المشكلة كمنت في إهمال الزراعة بشكل عام من قبل كثير من العاملين فيها، واعتماد العمل على العمالة الأجنبية في البساتين القائمة حالياً، كما تعاني شجرة النخلة من إهمال من قبل ملاك البساتين أدى مع مرور الوقت إلى احتطاب جائر سببه الرئيس يكمن في “تجارة الجذب” التي تدر أموالاً كبيرة على هواة الاحتطاب المعروف شعبياً في محافظة القطيف بـ”التجذيب”، إذ يبلغ قيمة الكيلو منها نحو (90) ريالاً، ويختلف السعر صعوداً أو نزولاً حسب جودة وطعم الجذب الذي يمثل قلب النخلة النابض.

إعادة بناء

وقال حبيب محمود -باحث في شؤون النخيل-: نحتاج إلى إعادة بناء تفكيرنا البيئيّ من خلال تنفيذ عقوبات صارمة في حقّ من يُسقطون النخيل، أو يقتلعونها من دون أسباب وجيهة، مضيفاً أن لدينا في المملكة تنظيمات بيئية تحظر الاحتطاب الجائر، ويمكن تعميم هذا التنظيم لصالح النخيل أيضاً، وذلك بحظر قلع أو إسقاط أية نخلة في أيّ مكان إلاّ بتصريح رسمي يستوفي وجاهة هذا العمل.

حبيب محمود فرّغ نفسه تماماً لتنفيذ مشروعٍ وثائقي هو توثيق أصناف النخيل في محافظة القطيف، ورافق مجموعة من المتطوّعين في جولاتٍ ميدانية شملت جميع سَيحات القطيف الزراعية، وخلصت جولات الحرّ والرطوبة اليومية إلى رصد (64) صنفاً من نخيل التمر ما زالت موجودة في القطيف، كما توصّل فريق العمل إلى انقراض (15) صنفاً، مضيفاً: “نحن فريق متصنف في اهتمامات أعضائه، ولكننا نلتقي في النخلة، بيننا المعلم، والصحافي، والمصرفي، والموظف، ومنّا من هو أقرب إلى النخلة من الآخرين، أحدنا خبيرُ نخيل يمتلك خبرة (28) سنة في تجارة الفسيل، إلاّ أن كلّ عملنا الميدانيّ يعتمد على المزارعين الممارسين، ولكلّ منا هدف فرعي في الجولات الميدانية، مع بداية موسم الرطب، وسوف تستمر حتى ينتهي موسم الرطب تماماً”.

إعادة توثيق

وأكد محمود على أن مهمة الفريق تطوعية بحتة، وتتركز في إعادة توثيق أصناف النخيل في محافظة القطيف، بوصفها جزءاً من الثروة الزراعية الوطنية، مضيفاً: “كلّ نتائج التوثيق سوف تستخدم ضمن مشروع وثائقي سوف يصدر بعد منتصف العام المقبل 2018م إن شاء الله، وحتى الآن نجحنا في توثيق (64) صنفاً من نخيل القطيف، بينها (46) صنفاً موثقاً قبل 66 عاماً، و(18) صنفاً يتمّ توثيقه للمرة الأولى، ومازلنا نبحث عن (15) صنفاً موثقة في السابق، ولم نجد لها أثراً”، متابعاً: “منذ البداية؛ وضعنا أمامنا قائمة طويلة من أسماء الأصناف جمعناها شفاهياً، إضافةً إلى مسطرة تاريخية مصدرها عالم النخيل العراقي عبدالجبار البكر الذي زار المملكة عام 1951م، وأقام ستة أشهر، وزار القطيف والأحساء ونجد والقصيم، كان موفداً من منظمة الزراعة والأغذية -الفاو- ليكون مرشداً زراعياً، وقد نشر مادته الوثائقية عن نخيل المملكة في كتابه (نخلة التمر)، وفي مسطرته (76) صنفاً من نخيل الأحساء والقطيف، بينها (56) صنفاً كانت موجودة في القطيف مطلع الخمسينيات”.

مهددة بالانقراض

وشدّد محمود وفريقه البحثي على أن هناك أصنافاً كثيرة مهدّدة بالانقراض فعلاً، لأسباب تجارية أو بيئية، أي أنها لم تعد مجدية تجارياً كما كانت في السابق، أو أن هناك أصنافاً تفوّقت عليها تسويقياً؛ مثل: بدراني، فيراني، عمّاري، كعبي، ربيعي، مكتوم، فوفل، وغيرها، وذلك طبيعي جداً، إذ إن قاعدة “البقاء للأفضل” تحكم أصناف النخيل أيضاً، مضيفاً: “خلال الستين سنة الماضية؛ اختفت أصناف وظهرت أصناف جديدة، وقد عثرنا على (18) صنفاً لم تكن مذكورة سابقاً، مثل: دكيني، فوفل، خصبة عبيدة، خصبة العسيف، غنية.. إلخ، مع ذلك، هناك أصناف مهددة بالانقراض على الرغم من جدواها تجارياً، مثل صنف خصبة رزيز المعروف بإنتاجه الكثير للدبس، لم ترصد جولاتنا جيلاً جديداً من الفسائل لهذا الصنف، فمعظم ما شاهدناه من خصبة رزيز نخيل مسنّة جداً، كما أن هناك أصنافاً ممتازة ومرشّحة للنجاح التجاري، وهي مهددة بالانقراض في القطيف، مثل صنف مكتوم أبيض ذي الأصل العراقي، وهو منتشر سعودياً باسم مكتومي، ولكنه تراجع في القطيف.

مسح ميداني

وعن النخيل المنقرضة قال محمود: حتى الآن يمكننا القول إن (15) صنفاً من نخيل القطيف لا أثر لها في السّيحات الزراعية، لقد أجرينا مسحاً ميدانياً من أبو معن شمالاً حتى سيهات جنوباً، ومن تاروت شرقاً حتى الأوجام غرباً، ولم نعثر على أي نخلة من هذه الأصناف، وهي: بنت سعيد، تنجوب، خصبة الحنا، خصبة مربا، دعالج، ستراوي، سعمران، غيمي، مبشر، مكتوم أحمر، وهذه موثقة قبل 66 عاماً، إضافةً إلى أصناف وثّقتها وزارة الزراعة سنة 1970م ولم تعد موجودة، وهي: أم بكارة، حريقان، وصيلي، سبع، ديادة.

وبيّن أن فريقه البحثي الميداني وحسب إفادات الفلاحين لهم ما تزال سوسة النخيل مشكلة مستمرة، صحيح إنها لم تعد بمثل خطورتها قبل 25 عاماً، غير أن مكافحتها تواجه صعوبات وشكاوى الفلّاحين على ما هي عليه حسب رصدنا الميداني، مبيناً أن جولاتهم ومشاهدتهم أظهرت نتائج وأفكاراً أساسية خلص الفريق لها، مضيفاً: “وضع نخيل محافظة القطيف معقّد جداً، والإرث المعروف بالتضمين من أهمّ مشكلاته، وهو تأجير البستان على فلّاح يتولّى الإنتاج، غالبية بساتين القطيف في المناطق الزراعية القديمة يعمل فيها فلّاحون مستأجرون، وغالباً ما تعود الملكية إلى أُسر فيها الكثير من الورثة، وهؤلاء الورثة لا علاقة لهم بالزراعة، لذلك فإن الأسهل عليهم هو تحويل البستان إلى مخطط سكني، فإذا أضفنا إلى ذلك التزايد السكاني، والحاجات العمرانية المستمرة، فإننا نفهم أن هذه العوامل تقف وراء تدمير مساحات هائلة من بساتين القطيف، إن مشكلة الإسكان تُحلُّ بإيجاد مشاكل بيئية واقتصادية أُخرى، والجهات المسؤولة عن الزراعة مرنةٌ في تنظيماتها، ولو كان الأمر بيدي؛ لاقترحتُ تطبيق عقوبات صارمة ضدّ من يعتدي على النخيل، وفرضتُ ترخيصاً جادّ الإجراءات قبل إسقاط أي نخلة أو اقتلاعها لأي سبب كان وفي أي مكان”.

رصد مخالفات

وأكد عبدالله آل شهاب -أمين المجلس البلدي الأسبق- على أن هناك أشخاصاً قاموا بمخالفات في المناطق الزراعية، ما أثر على النخلة لحد كبير، مضيفاً أن النسبة الزراعية المتبقية تحولت خلال 10 أعوام الأخيرة إلى أنشطة ومشروعات ليس لها صلة بالزراعة لا من قريب ولا من بعيد، منها تشاليح سيارات، مساكن عمال لمقاولين، ملاعب تأجير، مبيناً أنه تم رصد ذلك، وتوجد مخالفات في المناطق الزراعية على حساب الرقعة الزراعية، منها مساكن عمال لمقاولين، مستودعات للشركات ومقار لها، ملاعب رياضية للتأجير، صالات وقاعات أفراح، منتجعات واستراحات تجارية، مقاهٍ وديوانيات، مصانع خرسانة مخالفة، وفوق هذا كله إن كل مياه الصرف الصحي الناتج عن هذه الأنشطة يصرف في المرامي الزراعية والمصارف وينتهي إلى البحر، مما يؤثر سلباً على حياة النخيل والرقعة الزراعية، مؤملاً أن يتم معالجة هذا الأمر.


error: المحتوي محمي