يدفع الواقع الذي عشناه على مدى شهرين نلطم ونبكي حسرة على ما جرى في واقعة الطف الأليمة، حيث أن الإمام الحسين (ع) خرج لإصلاح أمة جده، وضحى بكل ما يملك من أجل تغيير مسارها وغرس القيم والمبادئ للإنسانية!!
سمعنا أن رجلاً ضلّ طريقه في الصحراء وأظلم عليه النهار واهتدى بالنجوم فسلك الطريق الصحيح فنجى، وسمعنا أن رجلاً كان مشتت الآراء فجاء له رجلاً ناصحاً فسمع أحسن القول فاتّبعه فاهتدى، وسمعنا أن من شاور الناس في أمره نجح، وأن من جالس العلماء استفاد من علمهم، ومن جالس الجهلاء أخذ من جهلهم، وسمعنا أن أمة تآمرت وتسلحت لقتل ابن بنت نبيها ظلماً ففعلت!!
وسمعنا أن الإمام الحسين بن علي عليهما السلام أراد تغيير مسار أمة جده بدمه! وكان ذلك في اليوم العاشر من شهر محرم الحرام سنة ٦١ للهجرة، حيث وقف شامخاً أمام جيش جرّار مع قلة العدد وخذلان الناصر، وقرر منازلة أجلاف جيش بني أمية بقيادة عمر بن سعد، حتى استشهد هو وأولاده وأصحابه (ع) وسبيت عياله! وبهذا تم تغيير معالم التاريخ والإنسانية في هذا العالم.
وسمعنا أن أمة عاهدت خالقها بأن لا تقول وداعاً لسبط رسولها! بل قالت اللهم لاتجعله آخر العهد منا، وسنظل ننتظر شهر محرم في كل عام لنعلن الحداد عليك سيدي يا حسين مادامت أنفاسنا باقية، فلحظة أقضيها في مجلسك الشريف أحب إليّ من سنين العمر بأجمعها، فما أسعد القلوب التي تعلقت بك ياسيد القلوب بل أنت سيد العقول والأفكار، وإنه عند غيري لعجب أن تكون السعادة بل قمة السعادة في البكاء والأنين وأي بكاء إنه البكاء على الحسين (ع).
فلك الشكر يا الهي بأن وفقتنا للحضور في مجالس سيدي ومولاي الحسين (ع)، شهرين قضيناها ضيوفاً عندك سيدي وفي رحابك الطاهر نستمع إلى رسالتك، نسكب الدموع ونلطم على الصدور حسرة لمصابك، ونعلن الحداد في يوم استشهادك، وأن مصيبتك سيدي يا أبا عبدالله فتحت لنا باب خدمتك والبكاء عليك ولعلنا اقتربنا بدموعنا واحتراق قلوبنا منك.
إن المبادئ والقيم في مدرسة الإمام الحسين (ع) هي عنوان مكتوب على وجوه عشاقه! وعندما نلطم ونبكي حزناً على الحسين (ع) وننادي لبيك يا حسين ونحن نمارس الغيبة والنميمة والنفاق على بَعضُنَا البعض..!! فهذه ليست من مبادئ الحسين (ع)، وعندما ننادي لبيك يا حسين ونحن نمارس أخذ الرشاوى بيننا..!! فهذه ليست من قيم الحسين (ع)، وعندما ننادي لبيك يا حسين ونحن نصرخ في وجه الوالدين ولا نحترم الكبير..!! فهذه ليست من مبادئ الحسين (ع).
وعندما نلطم ونبكي على الحسين (ع) ونحن نمارس الظلم على الآخرين..!! فهذه ليست من قيم ومبادئ الحسين (ع)، وعندما ننادي لبيك يا حسين ونحن نشتم ونحقد على بعضنا البعض، ونُشَهِرْ عبر وسائل التواصل الإجتماعي بكل من يختلف معنا..!! فهذه ليست من مبادئ وقيم ثورة الإمام الحسين عليه السلام.
إلهي قد نغفل فنذنب ونعصي ونعصي ولكنك الكريم، ويقيني بك أن لا ترد خادمك السقيم، مولاي بجودك جد عليي واقبلني وامنن عليي، سيدي ياحسين كيف الخروج الآن ووداعك بعد شهرين قضيناها في مجالسك نتعلم من مبادئ ثورتك وننادي حسين حسين يا حسين.
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن تنعكس كل القيم والمبادىء التي أراد الإمام الحسين (ع) بها إصلاح الناس من أمة جده، وأن تزيل كل الأمراض الاجتماعية التي تفتك فينا، وتنثر المحبة والسلام والتسامح في مجتمعنا، وأن لا تكون تلك الصرخات وتلك الصور والمقابلات دعائية يكتب عليها للذكرى فقط.
ويبقى الحسين.